الخميس، 27 أغسطس 2020

شهادة علي بن الحسين الأكبر عليهما‌السلام


فِي شَهَادَةِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَكْبَر عليهما‌السلام

ذَكَر أَرْبَاب الْمَقَاتِل أنّه لمّا قُتِلَ أَصْحَابُ الْحُسَيْن عليه‌السلام فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلّا أَهْلِ بَيْتِهِ ، تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَدِه عَلِيّ الْأَكْبَر فَاسْتَأْذَنَه لِلْبِرَاز ثُمَّ حُمِلَ عَلَى الْقَوْمِ فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ :

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ . . . . إلَخ

قَالَ الرَّاوِي : فَجَعَل يُقَاتِل الْقَوْم مَقَاتِلَه الْإِبْطَالِ فِي تِلْكَ الْمَجَال ، وَنَادَاه رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ : يَابْن الْحُسَيْن إنّ لَك رحماً بِأَمِير الْمُؤْمِنِين يَزِيد ، فَإِنْ شِئْت آمنّاك ؟ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَيْلَك لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ أحقّ أَنْ تَرْعَى ! !

قَال : ولمّا رَأَى ابْنُ سَعْدٍ مَا رَأَى مِنْ شَجَاعَتِه وَبَسَالَتِه دَعَا طَارِقِ بْنِ كَثِيرٍ ـ وَكَان شجاعاً فارساً مناعاً ـ فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ الَّذِي تَأْكُلُ نِعْمَة الْأَمِير وَتَأْخُذُ مِنْهُ الْعَطَاء ، فَأُخْرِجَ إِلَى هَذَا الْغُلَامُ ، وثنّى بِرَأْسِه فَقَالَ لَهُ : يَابْن سَعْد أَنْت تَأْخُذ مِلْك الرَّيّ وَأَنَا أَخْرَج إلَيْه ؟ ! بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْك أَنْ تبارزه أَنْتَ أَوْ أَنَّ تَضَمَّنَ لِي عِنْدَ الْأَمِيرِ أَمَارَة الْمُوَصِّل . قَال : فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ فَخَرَج طَارِق إلَى مُبَارَزَة عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، وَتَرَاجَع النَّاسِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عَلَيَّ الْأَكْبَر فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً مُنْكَرَةٌ فَوقَع صريعاً يَخُور بِدَمِه ، فلمّا رَآه أَخُوه وَقَد صَرَعَه عَلِيّ الْأَكْبَر وَعَطَفَ عَلَيْهِ بِضَرْبَة فَوَقَعَتْ عَلَى عَيْنَيْهِ فَخْر صريعاً .

قَال : وَخَرَّجَ ابْنُ طَارِق ثائراً بِأَبِيه وعمّه ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ عَلَيَّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَتَلَه ، ثُمَّ طَلَبَ الْبِرَاز فَلَم يَبْرُز إلَيْهِ أَحَدٌ فَحُمِلَ عَلَى الْقَوْمِ وَجَعَل [يضرب] فِيهِم بِسَيْفِه ، هَذَا وَالْحُسَيْن عليه‌السلام وَاقِفٌ بِبَابِ الْخَيْمَة وَلَيْلَى تَنْظُرُ فِي وَجْهِ الْحُسَيْن عليه‌السلام تَرَاه يَتَلَأْلَأ نوراً وسروراً بِشَجَاعَة وَلَدِه عَلِيّ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ تغيّر لَوْنُ وَجْهِهِ ، فَقَالَتْ لَهُ لَيْلَى : سَيِّدِي أَرَى لَوْن وَجْهَك قَد تغيّر ! هَل أُصِيب وَلَدِي ؟ فَقَالَ لَهَا : لَا يَا لَيْلَى وَلَكِن بَرَزَ لَهُ مِنْ أَخَافَ مِنْهُ عَلَيْهِ ، يَا لَيْلَى اُدُّعِي لِوَلَدِك عَلِيّ .

دَخَلَت لَيْلَى إلَى الْفُسْطَاط ، قَائِلُه : إِلَهِي بِغُرْبَة أَبِي عَبْداللَّه . . إِلَهِي بعطش أَبِي عَبْداللَّه . . يَا رَادٌّ يُوسُفَ إلَى يَعْقُوبَ اردد إليَّ وَلَدِي عَلِيّ .
قَالَ الرَّاوِي : فَاسْتَجَابَ اللَّهَ دَعَا لَيْلَى وَنَصَر علياً عَلَى بَكْرٍ فَقَتَلَهُ وحزّ رَأْسَه ، وَجَاءَ بِهِ إلَى الْحُسَيْن عليه‌السلام وَقَدْ قَتَلَ مِائَةَ وَعِشْرِينَ فارساً ، وَهُوَ يُنَادِي : أَبَه الْعَطَش قَد قَتَلَنِي وَثَقُل الْحَدِيدَ قَدْ اجهدني ، فَهَلْ إلَى شُرْبِهِ مَاءٍ مِنْ سَبِيلٍ اتقوّى بِهَا عَلَى الْأَعْدَاءِ ؟ فَقَالَ الْحُسَيْنُ عليه‌السلام : بَنِي هَات لِسَانَك ، أَخَذَ بِلِسَانِهِ فمصه ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ خَاتِمَةٌ الشَّرِيف وَقَالَ لَهُ ، وَلَدِي أَمْسَكَهُ فِي فِيكَ وَارْجِعْ إلَى قِتَالِ عدوّك ، فكأنّه اِرْتَوَى .

وَيُرْوَى : أَنَّهُ قَالَ : وَلَدِي دُونَك اُمّك فِي الْخَيْمَةِ فودّعها ؛ فَدَخَلَ عَلَيَّ الْأَكْبَر إلَى الْخَيْمَة فتعلّقت بِه اُمّه وتعلقن بِه النِّسْوَة فَصَاح الْحُسَيْن عليه‌السلام : دعنه فَقَد اِشْتَاق الْحَبِيب إلَى حَبِيبَة .

قَالَ الرَّاوِي : وَأَفْلَت عَلِيّ الْأَكْبَر نَفْسِهِ مِنْ النِّسَاءِ وَرَجَعَ إلَى الْحَرْبِ وَجَعَل يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ الْمِائَتَيْن .

قَالَ حُمَيْدٌ بْنِ مُسْلِمٍ : كُنْت واقفاً وبجنبي مرّة بْنِ مُنْقِذٍ التَّمِيمِيّ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يشدّ عَلَى الْقَوْمِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فيهزمهم ، فَقَال مرّة : عليَّ آثَام الْحَرْبِ إنْ مرّ بِي هَذَا الْغُلَامُ وَلَم أَثْكَل بِه أَبَاه . فَقُلْت : لَا تَقُلْ هَذَا يَكْفِيك هَؤُلَاءِ الَّذِينَ احتوشوه ؛ فَقَال : وَاَللَّه لأفعلنَّ .

قَال : ومرّ بِنَا عَلِيّ الْأَكْبَرِ وَهُوَ يَطْرِد كَتِيبَة إمَامِه فَطَعَنَه بِرُمْحِه فَانْقَلَبَ عَلَى قَرْبُوسِ سَرْج فَرَسِه ، واعتنق الْفَرَس فَحَمَلَه الْفُرْسِ إلَى مُعَسْكَرِ الْأَعْدَاء فاحتوشوه وقطعوه بِسُيُوفِهِم إرباً إرباً ، ولمّا بَلَغَتْ رُوحُهُ التَّرَاقِيَ نَادَى رافعاُ صَوْتَه : أَبَه عَلَيْك منّي السَّلَامِ هَذَا جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ قَدْ سَقَانِي بِكَأْسِه الْأَوْفَى شُرْبُه لا أَظْمَأ بَعْدَهَا أبداً ، وَهَذَا كأساً مَذْخُورًا لَكَ حَتَّى تَشْرَبُه .

قَالَتْ سُكَيْنَةُ : ولمّا سَمِع أَبِي صَوَّت أَخِي عَلِيّ جَعَل تَارَة يَجْلِسُ وَهُوَ يَقُولُ : وَا وَلَدَاهْ . . . ثُمَّ انْحَدَرَ إلَيْه الْحُسَيْن عليه‌السلام وَمَعَه أَهْلِ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ ، وَرَآه مُقَطَّعًا بِالسُّيُوف إرباً إرباً ، فَقَالَ يَا بُنَيَّ قَتَلَ اللَّهُ قَوْمًا قتلوك مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمَنِ وَعَلَى انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ الرَّسُول . ثُمّ استهلّت عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ وَقَال : وَلَدِي عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَك العفا ، أمّا أَنْتَ يَا بُنَيَّ فَقَد اِسْتَرَحْت مِن همّ الدُّنْيَا وَغَمُّهَا وَبَقِي أَبُوك لهمّها ولكربها .

قَالَ حُمَيْدٌ بْنِ مُسْلِمٍ : لكأنّي أَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْفُسْطَاطِ وَهِيَ تُنَادِي : يَا حبيباه يَا ابْنَ اُخيّاه . . . فَسَأَلْت عَنْهَا فَقِيلَ لِي : هِي عمّته زينيب . فَجَاءَت حَتَّى انكبّت عَلَيْه فَأَخَذَهَا الْحُسَيْن بِيَدِه وَرَدَّهَا إلَى الْفُسْطَاط ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى فتيانه وَقَال : احْمِلُوا أَخَاكُم . . فَحَمَلُوه وجاؤا بِهِ إلَى الْخَيْمَة وَهُمْ يَبْكُونَ ، قِيل : وَأُرْسِلَت لَيْلَى إِلَى الْحُسَيْن عليه‌السلام قَائِلُه : سَيِّدِي اُريد أَنْ أَبْكِيَ عَلَى وَلَدِي ، مَرّ أَهْلِ بَيْتِك أَن يَخْرُجُوا مِنْ الْخَيْمَةِ ، فَأَمَر الْحُسَيْن عليه‌السلام أَهْلِ بَيْتِهِ فَخَرَجُوا مِنْ الْخَيْمَةِ وَدَخَلَت لَيْلَى إلَى الْخَيْمَة ودخلن النِّسَاء مَعَهَا وجعلن يَنْحَن عَلَى شَبِيهٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى‌الله‌عليه ‌وآله ‌وسلم .

فجيده يَا عَلِيُّ يَبْنِي فجيده
بَعِيدَة شوفتك صارَتْ بَعيدَةً

المدّ أَيَّدَه عَلَيْك انشلّت أَيَّدَه
أَوْ شَرَابَةٍ وَلَا هنّه وَلَا طَالَبَه الزَّاد

هَذَا حُسَيْن أَبُوك امحنب أَعَلَيْك
عَن لِلْعِدَّة أَوْ عَيْنٍ التصد ليك

اسْمَعْ يَا عَلِيُّ وامّك تحاچيك
يَا رجواي بيك ارباي مَا فَاد

تگلّه يَا عَلِيُّ يَبْنِي شگلّك
يذخري لِلْكِبَر هَذَا محلّك

دگلّي لَو شَفَت شبّان حلّك
اشو لَن اصْبِر وهودن وَثَنِيّ الْوِسَاد

* * *
وَزَيْنَب قَابَلَت لَيْلَى وَقَالَت
أعيدي النَّوْح يَا لَيْلَى أعيدي .
ثمرات الأعواد : ج: 1 ص : 235.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجوب تسكين الغضب عن فعل الحرام وما يسكّن به

   وجوب تسكين الغضب عن فعل الحرام وما يسكّن به    1 -  عن صفوان بن مهران قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : إنما المؤمن الذي إذا غضب ل...