رَوَى ابْنُ إِدْرِيسَ فِي السَّرَائِر ، قَال : وَلَدِ عَلِيِّ الْأَكْبَرِ بَعْدَ وَفَاةِ جدّه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام بِسَنَتَيْن ؛ ورواره الْمُفِيد ايضاً فِي الْإِرْشَادِ .
وَأُمِّه لَيْلَى بِنْتُ أَبِي مرّة بْنِ عُرْوَةَ الثَّقَفِيّ ، وَقِيل : وُلِدَ فِي أَوَائِلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ ؛ وَرَوَى الْحَدِيثِ عَنْ جدّه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام ؛ وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ خلقاً ومنطقاً بِرَسُولِ اللَّهِ صلىاللهعليهوآله وسلم .
وَعَن كَثِير ابْنُ شَاذَانَ : شَهِدْت عَلَيَّ الْأَكْبَرِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ صَبِيّ وَقَد اشْتَهَى عنباً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ، فَقَال لِأَبِيه الْحُسَيْن : أَبَه إنّي اشْتَهَيْت عنباً ! فَضَرَب الْحُسَيْن عليهالسلام عَلَى يَدِهِ إلَى أُسْطُوَانَةٍ الْمَسْجِد فَأَخْرَجَ لَهُ عنباً وموزاً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ : وَلَدِي كُلٍّ مِنْ فَضْلِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْنَا . ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا وَقَال : مَا عندالله لِأَوْلِيَائِه أَكْثَر .
وَذَكَر أَرْبَاب التَّارِيخُ فِي تَارِيخُهُم وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلِيَّ الْأَكْثَر شَابَه جدّه رَسُولُ اللَّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لَا بَلْ شَابَه الْأَشْبَاح الْخَمْس وَهُم : رَسُولُ اللَّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلياً وَفَاطِمَة وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهمالسلام ، أَمَّا شباهه بجدّه رَسُولُ اللَّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم فَكَانَ إذَا تَلَّى آيَةٍ أَوْ رَوَى رِوَايَة شَابَه رَسُولُ اللَّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم فِي كَلَامِهِ وَمَقَالَة ، بَلْ وَفِي خَلْقِه وَأَخْلَاقِه .
يُرْوَى : أنّه دَخَلَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٍّ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم فَقَالَ لَهُ النَّاسُ : أَنْتَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٍّ أَخْرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ . فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي رَسُولُ اللَّهِ وَمَعَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : أَسْلَمَ عَلَى يَدِ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدِ ابْنِ عَبْداللَّه فإنّه نَبِيّ هَذِهِ الأمّه حقّاً ؛ وَأَنَا أَسْلَمْتَ عَلَى يَدِهِ وَأَتَيْت الْآن لاُجدّد إسْلَامِيّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ . قَال : فجاؤا بِهِ إلَى الْحُسَيْن عليهالسلام فَوَقَعَ عَلَى قَدَمَيْهِ يَقْبَلُهُمَا ، فلمّا استقرّ بِهِ الْمَجْلِسُ قَصّ لَه الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ : أتحبّ أَنْ آتِيكَ بشبيهه ؟ قَال : بَلَى سَيِّدِي ؛ قَال : فَدَعَى الْحُسَيْن عليهالسلام بِوَلَدِه عَلِيّ الْأَكْبَر ـ وَكَان إذْ ذَاكَ طِفْل صَغِيرٌ وَقَدْ وَضَعَ عَلَى وَجْهِهِ الْبُرْقُع ـ فَجِيءَ بِهِ إلَى أَبِيهِ ، فلمّا رَفَع الْحُسَيْن عليهالسلام الْبُرْقُع مَنْ عَلَى وَجْهِهِ وَرَآه ذَلِكَ الرَّجُلُ وَقَع مُغْمًى عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ عليهالسلام : صبّوا الْمَاءِ عَلَى وَجْهِهِ ، فَفَعَلُوا فلمّا أَفَاق الْتَفَتَ إلَيْهِ الْحُسَيْن عليهالسلام وَقَال : يَا هَذَا إنّ وَلَدِي هَذَا شبيهاً بجدّي رَسُولُ اللَّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : أَيْ وَاَللَّهِ ؛ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليهالسلام : يَا هَذَا إذَا كَانَ عِنْدَك وَلَد مِثْلِ هَذَا وَتُصِيبُه شَوْكَةٌ مَا كُنْت تَصْنَعُ ؟ قَال : سيّدي أَمُوت ! فَقَالَ الْحُسَيْنُ عليهالسلام : أُخْبِرُك أَنِّي أَرَى وَلَدِي هَذَا بِعَيْنِي مقطّعاً بِالسُّيُوف إرباً إرباً .
وأمّا شباهته بجدّه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام فإنّه شَابَهَه عليهالسلام بِالِاسْم وَالْكُنْيَة وبالشجاعة وتعصّبه لِلْحَقّ ، وَنَاهِيك عَنْ شَجَاعَتِهِ عمّا رَوَاه شَيْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ ابْن بِأَبَوَيْه الْقُمِّيّ قَال : ولمّا حُمِلَ عَلَيَّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَى الْقَوْمِ زحزحهم عَنْ أَمَاكِنِهِمْ وأنهضهم عَن مَوَاضِعِهِم ، حَتَّى قُتِلَ عَلَى عَطَشِه مِائَةٍ وَعِشْرِينَ رجلاً .
وَرُوِي : أنّه لمّا حُمِلَ عَلَى الْقَوْمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ اخْتَلَف الْعَسْكَر فِيه وَأَخَذ أَصْحَابِ ابْنِ سَعْدٍ كُلّ يَسْأَلُ مِنْ صَاحِبِهِ : ابْنٌ مِنْ هَذَا ؟ ! وَمَنْ يَكُونُ هَذَا الصَّبِيُّ ؟ ! وأمّا الَّذِينَ هُمْ آخَر الْجَيْش فَقَد أَخَذَتْهُم الدَّهْشَة حَتَّى ظنّوا أنّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام
أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ
نَحْن وبيتِ اللَّهِ أَوْلَى بِالنَّبِيّ
أَضْرِبَكُم بِالسَّيْف أَحْمِي عَنْ أَبِي
ضَرَب غُلَامٌ هَاشِمِيّ عُلْوِيٌّ
فَرَجَعْت الْخَيْل تَسَحَّق بَعْضِهَا بعضاً .
قَالَ بَعْضُ الرُّوَاة : وَشَدّ عَلِيٍّ عَلَى النَّاسِ مراراً ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جمعاً كثيراً حَتَّى ضَجَّ النَّاسُ مَنْ كَثُرَ مِنْ قَتَلَ مِنْهُمْ .
وَفِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ إنّ حملاته بَلَغَت اثْنَيْ عَشَرَ حَمْلُه فَهَذِه شباهته بجدّه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام .
وأمّا شباهته بالزهراء عليها السلام فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُؤَرِّخُون عَلَى أنّ الزَّهْرَاء عليهاالسلام توفّيت وَلَهَا مِنْ الْعُمْرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَنَةً ، وَكَذَلِك عَلِيّ الْأَكْبَر عليهالسلام قُتِلَ يَوْمَ كَرْبَلاء وَلَهُ مِنْ الْعُمْرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَنَةً .
وأمّا شباهته بِعَمّه الْحَسَن عليهالسلام فَقَد شَابَهَه بِالْبَهَاء وَالْهَيْبَة . يُرْوَى أنّ الْحَسَن عليهالسلام كَانَ إذَا مَشَى فِي الطَّرِيقِ لَا يَسْبِقُهُ سَابِق ، وَإِذَا جَلَسَ بِبَابِ دَارِهِ يَنْقَطِعُ الطَّرِيق لِهَيْبَتِه ، وَإِذَا جَلَسَ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ضِيَاء ، وَكَذَلِك عَلِيّ الْأَكْبَرَ كَانَ مهاباً يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ نوراً .
وأمّا شباهته بِأَبِيه الْحُسَيْن عليهالسلام فَقَد شَابَهَه بِالْآبَاء وَالْكَرَم ؛ يُرْوَى أنّ عَلِيٌّ ابْنُ الْحُسَيْنِ بَنَى داراً لِلضِّيَافَة فِي زَمَنِ أَبِيه الْحُسَيْن عليهالسلام بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ تَقْصِدَه الشُّعَرَاء وَالْوُفُود حَتَّى قِيلَ فِيهِ :
يُغْلَى نِيء اللَّحْمِ حَتَّى إذَا
أَنْضَج لَمْ يُغَلَّ عَلَى الْأَكْلِ
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرِه : كَانَ عَلِيٌّ الْأَكْبَر أَوَّلَ قَتِيلٍ مَنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ بَعْدِ الْحُسَيْن عليهالسلام .
وَيُرْوَى : أَنَّهُ لَمَّا نَظَرَ إلَى وَحْدَةِ أَبِيه الْحُسَيْن عليهالسلام تقّدم إلَيْهِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ .
« اللَّهم أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فَقَدْ بَرَز إلَيْهِم أَشْبَهُ النَّاسِ خلقاً وخلقاً ومنطقاً بِرَسُولِك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكنّا إذَا اشتقنا إلَى نبيّك نَظَرْنَا عَلَى هَذَا الصَّبِيُّ ، اللّهمّ أَمْنَعُهُم بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وفرّقهم تَفْرِيقًا ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طَرَائِق قدداً ، وَلَا تُرْضِي الْوُلَاة عَنْهُم أبداً ، فإنّهم دَعَوْنَا لينصرونا ثَمَّ عَدُّوا عَلَيْنَا يقاتلوننا »
قَال : وَصَاح بِعُمَر ابْنُ سَعْدٍ : وَيْلَك يَابْن سَعْدٍ قُطِعَ اللَّهُ رَحِمَكَ كَمَا قَطَعْت رَحِمِي [1] ، وَلَا بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي أَمْرِك ، وسلّط اللَّهُ عَلَيْك مِنْ يذبحك عَلَى فِرَاشِكَ ؛ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .[آل عمران 3 :33-34]
قَالَ الرَّاوِي : فَكَأَنَّمَا عَلِم الرُّخْصَةَ مِنْ أَبِيهِ فَحُمِلَ عَلَى الْقَوْمِ وَجَعَل يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ :
أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ
نَحْن وبيتِ اللَّهِ أَوْلَى بِالنَّبِيّ
أَضْرِبَكُم بِالسَّيْف أَحْمَى عَنْ أَبِي
ضَرَب غُلَامٌ هَاشِمِيّ عُلْوِيٌّ
[1] كَمَا قَدَّمْنَا آنفاً لأنّ اُم لَيْلَى واُم عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَخَوات ، لِذَا خَاطَبَه الْحُسَيْن عليهالسلام : قَطَعَ اللَّهُ رَحِمَكَ كَمَا قَطَعْت رَحِمِي .
(فائدة) : وإنّما جَعَل يَوْمَ الثَّامِنِ مخصوصاً بِعَلِيّ الْأَكْبَر وَيُلْقَى مَصْرَعَه فِيه لأنّه جَاء بِالْمَاء يَوْمَ الثَّامِنِ مِنَ الْمُحَرَّمِ كَمَا أنّ الْعَبَّاس جَاء بِالْمَاء يَوْمَ السَّابِعِ ، وَكَمَا أَنَّ برير جَاء بِالْمَاء يَوْمَ التَّاسِعِ ، انْتَهَى .
وَعَلِيٌّ قَدْرٍ مِنَ ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ
عَبِقَت شَمَائِلِه بِطِيب الْمَحْتِد
فِي بَأْس حَمْزَةَ فِي شَجَاعَة حَيْدَرٌ
بَابًا الْحُسَيْن وَفِي مَهَابَة أَحْمَد
وتراه فِي خَلْقِ وَطِيب خَلَائِق
وَبَلِيغ النُّطْق كَالنَّبِيّ محمّد [١]
[١]
(نصاري)
الْأَكْبَرُ لَا ظُهْرَ الغوج وَأَرْزَم
أَوْ عَلَيْهِ احسين دَمْعُه انْحَدَر واسجم
تچنّه ابوالده وعالخيل ذبها
أَو يَمْنَة الْحَرْب عاليسرة گلبها
چسب نوماسها وضيّع دربها
أَوْ لَفَّ رَايَاتِهَا أَو للسرب حَطَّم
عگب مَا بالطفوف آبِدَة الْفِرَاسَة
أَو راواهم حَرْب حَيْدَرٌ أَوْ بِأُسِّهِ
الْعَبْدِيّ غَافِلَةٌ وصابه أَعْلَى رَأْسَه
أَوْ تَغَيَّرَ نُور وَجْهَه بحمر الدَّم
(دكسن)
شبگ عَلَى الْمَهْرِ لباله يودّيه
لَبْوَة حُسَيْن عنّ الگوم يَحْمِيه
اويلي الْمَهْر لِلْعُدْوَان فَرّ بيه
واوچب آه بِوَسَط الْعَسْكَر
هَذَا يگطع ابسيفه وريده
أَوْ هَذَا بِالْخَنَاجِر فَصْلٌ أَيَّدَه
وَهَذَا يُغَطّ رُمْحَه الْحَدِيدَة
ابخاصرته وَهُوَ يُعَالِجُ لَو يَفْغَر
(عاشوري)
تعنّاله وَعَلَى ابْنَيْه تخوصر
أَوْ صَاحَ بِصَوْت منّه الصَّخْر ينطر
عَلَى الدُّنْيَا الْعِفَّة بَعْدَك يالأكبر
عگب عَيْنَاك رَيْت الْكَوْن يُعْدَم
يبويه مَنْ وَصَلَ ليك أَو تدنّاك
أَو خضّب وَجْهَك الشعّاع بدماك
يبويه رَيْت رُوحِي اتروح ويّاك
أَوْ لَا شوفك خَضِيب الْوَجْه بِالدَّم
(تخميس)
لَا طَاب عَيْش بَعْد فَقَدَك لَا صَفًّا
واظلمّت الدُّنْيَا بِعَيْنِي مُذ خُفًّا
مِنْهَا ضياؤك يَا شَبِيهٌ الْمُصْطَفَى
فلتذهب الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا العفا
مَا بَعْدَ يَوْمِك مِنْ زَمَانٍ أَرْغَد .
ثمرات الأعواد : ج: 1 ص : 231.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق