الحج
1 ـ مصباح الشريعة : قال الصادق ( عليه السلام ) : « إذا أردت الحج فجرّد قلبك لله تعالى من كلّ شاغل وحجاب ، وفوّض أُمورك إلى خالقها ، وتوكّل عليه في جميع حركاتك وسكناتك ، وسلّم لقضائه وحكمه وقدره ، ودع الدنيا والراحة والخلق ، واخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين ، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك ، وقوّتك وشبابك ومالك ، مخافة أن يصير ذلك عدوّاً ووبالاً ، فإنّ من ادّعى رضى الله واعتمد على ما سواه ، صيّره عليه وبالاً وعدوّاً ، ليعلم إنّه ليس له قوة ولا حيلة ولا لاحد ، إلّا بعصمة الله وتوفيقه ، فاستعد استعداد من لا يرجو الرجوع ، وأحسن الصحبة ، وراع أوقات فرائض الله وسنين نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) ، ما يجب عليك من الأدب والإحتمال ، والصبر والشكر ، والشفقة والسخاوة ، وإيثار الزاد على دوام الأوقات.
ثم اغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك ، والبس كسوة الصدق والصفا والخضوع والخشوع ، واحرم من كلّ شيء يمنعك عن ذكر الله ويحجبك عن طاعته ، ولبّ بمعنى إجابة صادقة صافية خالصة زاكية لله سبحانه في دعوتك ، متمسكاً بالعروة الوثقى ، وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت ، وهرول هربا من هواك ، وتبرأ من حولك وقوّتك ، واخرج من غفلتك وزلاتك بخروجك إلى منى ، ولا تتمن ما لا يحلّ لك ولا تستحقّه ، واعترف بالخطايابعرفات ، وجدد عهدك عند الله بوحدانيّته ، وتقرب إليه واتّقه بمزدلفة ، واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى بصعودك إلى الجبل واذبح ، حنجرة الهوى والطمع عنك عند الذبيحة ، وارم الشهوات والخساسة والدناءة والذميمة عند رمي الجمار ، واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك.
وادخل في أمان الله وكنفه وستره وكلاءته من متابعة مرادك بدخول الحرم ، ودخول البيت متحقّقاً لتعظيم صاحبه ، ومعرفة جلاله وسلطانه ، واستلم الحجر رضى بقسمته وخضوعاً لعزّته ، ودع ما سواه بطواف الوداع ، واصف روحك وسرّك للقائه يوم تلقاه بوقوفك على الصفا ، وكن بمرأى من الله نقياً عند المروة ، واستقم على شرط حجّتك هذه ، ووفاء عهدك الذي عوهدت به مع ربّك وأوجبت له إلى يوم القيامة ، واعلم أنّ الله لم يفرض الحجّ ولم يخصّه من جميع الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ ) [1] ولا شرع نبيّه ( صلّى الله عليه وآله ) سنّة في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه ، إلّا للإستعداد والإشارة إلى الموت والقبر والبعث والقيامة ، وفضل بيان السبق من دخول الجنّة أهلها ، ودخول النار أهلها ، بمشاهدة مناسك الحجّ من أولها إلى آخرها ، لأُولي الألباب وأولى النهى ».مصباح الشريعة ص 142 باختلاف في الألفاظ.
[1] آل عمران 3 : 97.
مستدرك الوسائل : ج10ص 172-173ح11771.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق