شهادة الامام محمد الجواد " عليه السلام
وفي رواية عن الرضا (عليه السلام) أنه قال يقتل ابني محمد (عليه السلام) غصبا، فتبكي عليه أهل السماء والارض، ويغضب الله عزوجل على عدوه وظالميه، ولم يلبث إلا سنة حتى يحل الله به عذابه الاليم وعقابه الشديد الجسيم.
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ره) قال: كان سبب وفاته (عليه السلام) أن زوجته أم الفضل بنت المأمون لما رزق الله محمد الجواد ابنه علي الهادي (عليه السلام) من غيرها انحسرت عنه وسمته في تسعة عشر حبة عنب، وكان (عليه السلام) يحب العنب فلما أكلها بكت فقال لها: مم بكاؤك، والله لا ليضربنك الله بفقر لا ينجبر وبلاء لا يستقر، فبليت بعده بعلة في أغمض المواضع من بدنها وأنفقت عليها ملكها حتى احتاجت إلى رفد الناس، وروي أنها سمته في قرص فلما أحس بذلك قال لها: بلاك الله ببلاء لا دواء له.
وفي عيون المعجزات لعلم الهدى قال: روي أن المعتصم جعل يعمل الحيل في قتل أبي جعفر (عليه السلام)، فأشار على ابنه المأمون زوجته بأن تسمه لانها منحرفة، فاطلع على انحرافها عن أبي جعفر (عليه السلام) وشدة غيرتها عليه لتفضيله أم أبي الحسن الهادي (عليه السلام) ولانه لم يرزق منها بولد، فأجابته إلى ذلك وتعمدت عليه وجعلت له سما في عنب ووضعته بين يديه (عليه السلام)، فلما أكل ندمت وجعلت تبكي فقال لها: مما بكائك ؟ فدعا عليها بما تقدم ذكره.
قال الراوي فلما سقته السم بأمر المعتصم اللعين خافت على نفسها، فدخلت في قصر المعتصم مع حرمه وأقامت معهن لما صدر منها، فضاعف الله عذابها وشدد عليها عقابها، ثم أن الامام بقي والسم يجري في مفاصله وكان العام الذي أشخص (عليه السلام) فيه أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) من المدينة المنورة إلى بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين، وكان ذلك بعد المأمون بثلاثين شهرا.
قال الراوي على ما في الكتاب: فلما حان حينه وقرب وقته، وعلم أنه (عليه السلام) سائر إلى روح الله ورضوانه، دعا بابنه أبي الحسن علي الهادي (عليه السلام) ونص عليه بمحضر جماعة من خواص شيعته ومواليه وثقاته، وسلم إليه ما كان عنده من مواريث الانبياء ثم قال: إن الامام بعدي علي (عليه السلام)، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي وطاعة الله، ثم سكت.
فقلت له يابن رسول فمن الامام بعده ؟ قال: الحسن ابنه قلت: فمن الامام بعد الحسن (عليه السلام) ؟ فبكى (عليه السلام) بكاء شديدا ثم قال: بعد الحسن ابنه المهدي (عليه السلام) القائم بالحق المنتظر، فقلت له: يابن رسول الله ولم سمي القائم ؟ فقال: ألا إنه يقوم بالامر بعد فوت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، قلت: ولم سمي المنتظر ؟ فقال: (عليه السلام) لانه (عليه السلام) له غيبة تكثر أيامها وتطول مدتها، وينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب به المنافقون، ويهلك المستعجلون وتهلك فيه المسلمون.
قال الرواي لي في قضية وفاته (عليه السلام): وكان السم يجري في بدنه فلم تطل لذلك مدة له حتى قضى به شهيدا وعرج به إلى ساحة الرضوان، وصار إلى عالم البقاء وجوار آبائه (عليهم السلام) في رياض الجنان، وقامت الواعية في داره (عليه السلام) وعلا الضجيج والبكاء والعويل من الهاشميين والعلويين من آل عدنان، فهم بين نادب ونادبة وباك وباكية بأصوات عالية ونوح وعويل، وصارت الشيعة في حزن شديد وهم مبيد، وكل منهم ينادي وا إماماه وا سيداه وا محمداه وا كفيل اليتامى والمساكين وثمال المنقطعين ومأوى الضائعات والضائعين، ثم أن ابنه أبو الحسن علي الهادي (عليه السلام) قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه كما أمره وأوصاه، فغسله وحنطه وأدرجه في أكفانه وصلى عليه في جماعة من شيعته ومواليه،
وكان هارون بن اسحاق حاضرا هناك فلما علم بالحال ركب ومضى إليه وصلى عليه عند منزله في رحبة سوار بن ميمون من ناحية قنطاره البردان، فلما فرغوا من الصلاة عليه حملوه على سريره وساروا به وهم يبكون ويلطمون عليه الخدود ويندبونه في حزن وطيش إلى مقابر قريش متنغصا عليهم النعيم والعيش، ثم أنهم وضعوه وألحدوه في مقابر قريش بجنب جده موسى بن جعفر (عليه السلام) الكاظم، فوقف ابنه علي الهادي (عليه السلام) على قبره قائلا:
وا أبتاه وا محمداه آه وا وحدتاه وا قلة ناصراه وا نقطاع ظهراه، ليتني كنت لك الفدا يا أبتاه من بعدك وا وحشتاه فراقك قد أعمى عيني وهيج حزني وقطع نياط قلبي، يا أبتاه اقرأ آباءك عني السلام وأخبرهم بما نحن فيه من الهوان، يا أبتاه مضيت عنا ولم يطل لك العمر وتبلغ الكهولة في الحياة يا أبتاه، ثم انكفأ عنه سخين العين باكي الناظر، وهو يقول:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون. وكان عمر محمد الجواد (عليه السلام) حينئذ على ما جاءت به الروايات خمسة وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يوما أقام منها مع أبيه الرضا خسمة سنين وشهرا، وأقام بعده عشرين سنة وشهرين وقيل عشرين سنة إلا شهرا، وكانت إمامته (عليه السلام) في بقية أيام المأمون ثم هلك المأمون، وكان أيام المعتصم أخ المأمون ثمان سنين وشهرا وقد استشهد مولانا الامام محمد الجواد في أيامه بسم له في أشهر الروايات. تأليف العلامة الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن عصفور الدارزي البحراني ((وفيات الأئمة المؤلف : من علماء البحرين والقطيف الجزء : 1 صفحة : 343))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق