كرمه وسخاؤه :
من كان ندى الكف مبسوط اليدين بالعطاء متمسكا بأهداب السخاء بعيدا عن البخل وضروبه فاعظم به من خير عميم ، كبير الثقة بالله ، عظيم النفس ، شريف الذات .
وقد تحدث رسول الله (صلى الله عليه واله) عن شرف هذه الظاهرة فقال : « خلقان يحبهما الله وهما : حسن الخلق والسخاء »
وقال : « السخاء من الايمان ».
إن السخاء ينم عن طيب القلب ، ويكشف عن الفضائل النفسية ، ويحكى عن رحمة الانسان ورأفته .
ومن الطبيعي انه انما يكون كذلك فيما اذا كان بذله بداعي الخير والمعروف لا بداعي السمعة والمديح والثناء وغير ذلك من الدواعي التي لا تمت إلى الاحسان بصلة ، وقد حدث التأريخ عن أناس كانوا يهبون الألوف للوافدين ، ويبذلون القرى للاضياف ، ولكن سرعان ما انكشف أنه تصنع لا اتصال له بحقيقة الكرم والمعروف ، وذلك كعطاء ..... وهباته للوافدين عليه فان ذلك لم يكن بداعي الاحسان وإنما كان لشراء الضمائر لأجل التمسك بزمام الحكم.
إن السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير ، وبذل الاحسان بداعي الاحسان ، وقد تجلت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها ، واسمى معانيها في الامام أبي محمد (عليه السلام) حتى لقب بكريم أهل البيت.
تلقى هذه المكرمة من سلفه الطاهر الذي عرف بالسخاء والمعروف ونجدة الضعيف والاحسان إلى كل منقطع ومحروم وفى جده الاعلى يقول القائل :
عَمْرُو العلا هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... ورجال مَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ
وزاد الامام أبي محمد (عليه السلام) على سلفه الطاهر فى ذلك فقد كان لا يعرف للمال قيمة ، ولا يرى له أهمية سوى ما يرد به جوع جائع ، أو يكسو به عاريا ، أو يغيث به ملهوفا ، أو يفي به دين غارم.
ان السخاء عنصر من عناصر ذاته ، ومقوم من مقومات مزاجه ، وقد أثر عنه أنه ما قال لسائل لا قط [1] [1] الطبقات الكبرى للشعرانى 1 /23.
وقيل له لأي شيء لا نراك ترد سائلا؟
فأجاب :
« إني لله سائل ، وفيه راغب ، وأنا استحي أن أكون سائلا ، وأرد سائلا ، وان الله عودني عادة أن يفيض نعمه علي ، وعودته أن أفيض نعمه على الناس فأخشى ان قطعت العادة أن يمنعني العادة
وأنشأ يقول :
إذا ما أتاني سائل قلت مرحبا بمن فضله فرض علي معجل
ومن فضله فضل على كل فاضل وأفضل أيام الفتى حين يسأل [2]نور الابصار : 111.
إن السخاء على العباد فريضة لله يقرأ في كتاب محكم
وعد العباد الأسخياء جنانه وأعد للبخلاء نار جهنم
من كان لا تندى يداه بنائل للراغبين فليس ذاك بمسلم [1] الطبقات الكبرى للشعرانى 1 /23.
وله أيضا :
خلقت الخلائق من قدرة
فمنهم سخي ومنهم بخيل
فأما السخي ففي راحة
وأما البخيل فحزن طويل [1] [1] المناقب 2 / 156.
وكانت الوفود من المرتزقة والمحتاجين تزدحم عليه فيغدق عليهم ببره واحسانه ، ويجزل لهم المزيد من العطاء ، وقد ذكر التأريخ بوادر كثيرة من كرمه وجوده نسوق إلى القراء بعضها.
1 ـ جاءه اعرابي سائلا فقال (عليه السلام) : اعطوه ما في الخزانة ، وكان فيها عشرة آلاف درهم فقال له الاعرابي : يا سيدي هلا تركتني أبوح بحاجتي ، وأنشر مدحتي؟
فاجابه الامام :
نحن أناس نوالنا خضل يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضه خجل [2] [2] اعيان الشيعة 4/ 89 ـ 90.
2 ـ واجتاز عليهالسلام على غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة اخرى.
فقال له الامام :
ـ ما حملك على ذلك؟
ـ إني لأستحيي أن أكل ولا أطعمه. رأى الامام فيه خصلة من أحب الخصال عنده ، فاحب أن يجازيه على صنعه ، ويقابل إحسانه بإحسان فقال له :
لا تبرح من مكانك ، ثم انطلق فاشتراه من مولاه واشترى الحائط [1] الذي هو فيه فاعتقه ، وملكه إياه [2].
[1] الحائط : البستان.
[2] البداية والنهاية 8 / 38.حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل المؤلف : باقر شريف القرشي الجزء : 1 صفحة : 297
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق