علمه- (عليه السلام)- بِمَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْرَابِيِّ مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ اطّلاعه عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ وَ شَرْح حاله
عَن الباقر- (عليه السلام)- ، عَن آبائه- (صلوات اللَّه عليهم)- ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- عَلَى جَبَلٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ و الْأَنْصَار إذْ أَقْبَلَ الْحَسَنُ بْنُ علي- (عليهما السلام)- .يَمْشِي عَلَى هُدًى و وَقَارٌ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- ، فرمقه مَنْ كَانَ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ بِلَال : يَا رَسُولَ اللّه أ مَا تَرَى أَخَذَه عنك- (صلوات اللَّه عليه) و آله- ؟فَقَال إنّ جَبْرَائِيل يَهْدِيَه ، و مِيكَائِيل يسدّده ، و هُو وُلْدِي وَ الطَّاهِرِ مِنْ نَفْسِي ، و ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِي ، وَ هَذا سبطي و قرّة عَيْنِي بِأَبِي هُوَ .
و قَام و قُمْنَا مَعَهُ وَ هُوَ يَقُولُ : أَنْت تفّاحتي ، و أَنْت حَبِيبِي و مُهْجَة قَلْبِي وَ أَخَذَ بِيَدِهِ و نَحْنُ نَمْشِي حتّى جَلَس و جَلَسْنَا حَوْلَه فَنَظَرْنَا إلَى رَسُولِ اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- ، و هُوَ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ عَنْهُ .
ثمّ قَال : إنّه سَيَكُونُ بَعْدِي هَادِيًا مهديّا هديّة مِن ربّ الْعَالَمِين إليّ ينبّئ عنّي ، و يعرّف النَّاس آثارِي ، و يُحْيِي سنّتي ، و يتولّى أُمُورِي فِي فِعْلِهِ يَنْظُر اللّه إلَيْه ، و يَرْحَمُه رَحِم اللّه مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ وَ برّني ، و أَكْرِمْنِي فِيه ، فَمَا قَطَعَ كلامه- (صلوات اللَّه عليه) و آله- حَتَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا أَعْرَابِيٌّ يَجُرّ هِرَرَةٌ لَه فلمّا نَظَرٌ إليه- (صلوات اللَّه عليه) و آله- قَال : قَدْ جَاءَكُمْ رَجُلٌ يتكلّم بِكَلَامٍ غَلِيظٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جلودكم و أَنَّه ليسألكم عَنْ الْأُمُورِ إلَّا أَنْ لِكَلَامِه جَفْوَة .
فَجَاء الْأَعْرَابِيّ فَلَمْ يُسَلِّمْ ، فَقَال : ايّكم مُحَمَّد ؟
قُلْنَا : و مَا تُرِيدُ ؟
فقال- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- : مَهْلًا .
فَقَال : يَا مُحَمَّدُ أَبْغَضُك و لَمْ أَرَك و الْآنَ قَدْ ازْدَدْت بُغْضًا .
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- و غضبنا لِذَلِك فَأَرَدْنَا الْأَعْرَابِيّ إرَادَة فَأَوْمَى إِلَيْنَا رَسُولُ اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- أَن أَمْسَكُوا .
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ و أَنَّك قَدْ كَذَبْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ و مَا مَعَكَ مِنْ دلالاتهم شيء .
قَالَ لَهُ : يَا أَعْرَابِيُّ و مَا يُدْرِيكَ ؟ .
قَال : فخبّرني ببراهينك !
قَال : إنْ أَحْبَبْت أَخْبَرْتُك كَيْف خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِك و كَيْفَ كُنْتَ فِي نَادِي قَوْمِك و إنْ أَرَدْت أُخْبِرُك عُضْوٍ مِنِّي فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوْكَدُ لبرهاني .
قَال : أَوْ يَتَكَلَّمَ الْعُضْو ؟
قال- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- : نَعَم ، يَا حَسَنُ قُمْ فازدري الْأَعْرَابِيّ نَفْسِه .
قَال : نَعَم .
فَقَال : هُوَ مَا يَأْتِي وَ يَأْمُر صبيّا يكلّمني .
قَال : إِنَّك ستجده عَالِمًا بِمَا تُرِيدُ ، فَابْتَدَر الْحَسَن و قَال : مَهْلًا يَا أَعْرَابِيُّ :
مَا غبيّا سَأَلْت و ابْن غبيّ * * * بَل فَقِيهًا أَذَّنَ وَ أَنْت الجهول
فَإِنْ تَكُ قَدْ جُهِلَتْ فَإِن عندي * * * شِفَاء الْجَهْلِ مَا سَأَلَ السئول
و بَحْرًا لَا تَقْسِمُه الدوالي * * * تُرَاثا كَان أوْرَثَه الرسول
لَقَد بَسَطْت لِسَانَك و عدوت طورك و خادعك نَفْسِك غَيْرَ أَنَّك لَا تَبْرَحْ حَتّى تُؤْمِنَ إنْ شَاءَ اللّه تَعَالَى .
فَتَبَسَّم الْأَعْرَابِيّ و قَال : هِيه .
فَقَال الحسن- (صلوات اللَّه عليه)- : قَد اجتمعتم فِي نَادِي قَوْمِك و تذاكرتم مَا جَرَى بَيْنِكُمْ عَلَى جَهْلٍ و خَرْقٌ مِنْكُم و زَعَمْتُم أَنَّ مُحَمَّدًا صَبُورٌ و الْعَرَبِ قَاطِبَةً تبغضه و لَا طَالِبٍ لَهُ بِثَأْرِه و زَعَمْتَ أَنَّكَ قَائِلُه و كَاف قَوْمِك مئونته ، فَحَمَلْتُ عَلَى ذَلِكَ وَ قَدْ أَخَذَتْ قناتك بِيَدِك تريمه و تُرِيد قَتَلَه فَعَسُر عَلَيْك مسلكك و عَمِّي عَلَيْك بَصَرَك و أَتَيْت إلَى ذَلِكَ فاتيتنا خَوْفًا مِنْ أَنَّ نستهزئ بِكَ وَ إنّمَا جِئْت لِخَيْر يُرَاد بِك .
أُنَبِّئُك عَن سَفَرَك خَرَجْت فِي لَيْلَةٍ ضحياء إذْ عَصَفَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ اشْتَدَّ مِنْهَا ظلماؤها و أَطْبَقَت سَمَاؤُهَا وَ أَعْصِر سحابها و بَقِيَت متجرما كالاشقران تَقَدَّم تجرف أَن عُقْر لَا تُسْمَعُ لِوَاطِئ حِسًّا وَ لَا لنافخ خُرْسًا تداكت عَلَيْك غيومها و تَوَارَت عَنْك نُجُومِهَا فَلَا تَهْتَدِي أ بِنَجْم طَالِعٌ و لَا بِعِلْمٍ لَا مَعَ تُقْطَع مَحَجَّة و تَهْبِط لُجَّة بَعْد لُجَّة فِي دَيْمُومَة قَفْرٌ بَعِيدَة الْعُقْر مجحفة بِالسَّفَر ، إذَا عَلَوْت مُصَعَّدًا أَرَادَت الرِّيح تخبطك فِي رِيحٍ عَاصِفٍ و بَرَق خَاطِف قَد أوحشتك قفارها و قطعتك سَلَامِهَا فَانْصَرَفَت فَإِذَا أَنْتَ عِنْدَنَا فقرّت عَيْنَك و ظَهَرَت ريبتك و ذَهَب ابْنَك .
قَال : مِنْ أَيْنَ قُلْت يَا غُلَامُ هَذَا ؟ كَأَنَّكَ قَدْ كَشَفْت عَنْ سُوَيْداء قَلْبِي وَ كَأَنَّكَ كُنْتَ شَاهِدَي و مَا خَفِيَ عَلَيْك مِنْ أَمْرِي شيء و كَأَنَّك عَالِمُ الْغَيْبِ يَا غُلَامُ ، لَقِّنِّي الْإِسْلَام .
فَقَال الحسن- (صلوات اللَّه عليه)- : اللّه أَكْبَر قُل : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ الّا اللّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ و رَسُولِه .
و أَسْلَم و أَحْسَنَ إسْلَامَهُ و سرّ رَسُول اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- و سرّ الْمُسْلِمُون و علّمه رَسُول اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ .
فَقَال : يَا رَسُولَ اللّه ارْجِعْ إِلَى قَوْمِي و أَعْرِفُهُم ذَلِك .
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّه- (صلى اللّه عَلَيْهِ وَ آله)- فَانْصَرَف ، ثُمَّ رَجَعَ و مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَ كَان الحسن- (صلوات اللَّه عليه)- إذَا نَظَرَ إلَيْهِ النَّاسُ قَالُوا لَقَدْ أَعْطَى هَذَا مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ الْعَالَمِينَ . مَدِينَة معاجز الْأَئِمَّة الِاثْنَيْ عَشَرَ و دَلَائِل الْحُجَج عَلَى الْبَشَرِ : ج 3 ص 229- 231 ح 80.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق