الهجرة ومباديها ، ومبيت علي عليه السلام على فراش النبى صلى الله عليه وآله
« وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ » فإنها نزلت بمكة قبل الهجرة ، وكان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة قدمت عليه الاوس والخزرج ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : تمنعوني وتكونون لي جارا حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا : نعم ، خذ لربك ولنفسك ما شئت ، فقال لهم : موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق ، فحجوا ورجعوا إلى منى ، وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير ، فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان الليل فاحضروا دار عبدالمطلب على العقبة ، ولا تنبهوا نائما ، ولينسل(1) واحد فواحد ، فجاء سبعون رجلا من الاوس والخزرج ، فدخلوا الدار ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : تمنعوني وتجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقال أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبدالله بن حزام(2) : نعم يا رسول الله ، اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، فقال : أما ما أشترط لربي فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم وتمنعون أهلي مما تمنعون أهاليكم وأولادكم ، فقالوا : فما لنا على ذلك؟ فقال : الجنة في الآخرة وتملكون العرب وتدين لكم العجم في الدنيا وتكونون ملوكا في الجنة(3) فقالوا قد رضينا ، فقال : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما أخذ موسى عليه السلام من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا ، فأشار إليهم جبرئيل فقال :هذا نقيب ، وهذا نقيب ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الاوس ، فمن الخزرج أسعد ابن زرارة ، والبراء بن معرور ، وعبدالله بن حزام(5) أبوجابر بن عبدالله ، ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمر(6) ، وعبدالله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ، وعبادة بن الصامت .
ومن الاوس :
أبوالهيثم بن التيهان ، وهو من اليمن ، واسيد بن حضير(7) وسعد بن خيثمة (8) ، فلما اجتمعوا وبايعوا لرسول الله صاح إبليس يا معشر قريش والعرب هذا محمد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم ، فأسمع أهل منى وهاجت قريش ، فأقبلوا بالسلاح ، وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله النداء فقال للانصار : تفرقوا ، فقالوا : يا رسول الله إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لم اؤمر بذلك. ولم يأذن الله لي في محاربتهم ، قالوا : فتخرج معنا؟ قال : أنتظر أمر الله ، فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح وخرج حمزة وأمير المؤمنين عليهما السلام ومعهما السيف فوقفا على العقبة ، فلما نظرت قريش إليهما قالوا : ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة : ما اجتمعنا وما ههنا أحد ، والله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي(9) فرجعوا إلى مكة وقالوا : لا نأمن أن يفسد أمرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد ، فاجتمعوا في دار الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من أتى عليه أربعون سنة فدخلوا أربعين رجلا من مشايخ قريش ، وجاء إبليس في صورة شيخ كبير فقال له البواب : من أنت؟ قال : أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم (10) مني رأي صائب ، إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل فجئت لاشير عليكم ، فقال : ادخل ، فدخل إبليس فلما أخذوا مجلسهم قال أبوجهل : يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا ، نحن أهل الله تفد إلينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ، ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع ، فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبدالله ، فكنا نسميه الامين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادعى أنه رسول الله ، وأن أخبار السماء تأتيه ، فسفه أحلامنا وسب آلهتنا ، وأفسد شباننا ، وفرق جماعتنا ، وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار ، فلم يرد علينا شئ أعظم من هذا ، وقد رأيت فيه رأيا ، قالوا : وما رأيت؟ قال رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله ، فإن طلبت بنو هاشم بدمه(11) أعطيناهم عشر ديات ، فقال الخبيث : هذا رأي خبيث ، قالوا : وكيف ذاك؟ قال : لان قاتل محمد مقتول لا محالة. فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم ، فإنه إذا قتل محمد تعصب(12) بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ، وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على وجه الارض ، فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا ، فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر ، قال : وما هو؟ قال : نلقيه في بيت ونلقي إليه(13) قوته حتى يأتيه ريب المنون(14) ، فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس ، فقال إبليس ، : هذا أخبث من الآخر ، قال(15) : وكيف ذاك؟ قال : لان بني هاشم لا ترضى بذلك ، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم ، واجتمعوا عليكم فأخرجوه ، قال آخر منهم : لا ولكنا نخرجه من بلادنا ، ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا ، فقال إبليس هذا أخبث من الرأيين المتقدمين ، قالوا : وكيف؟ قال : لانكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها ، وأنطلق الناس لسانا ، وأفصحهم لهجة ، فتحملوه إلى بوادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه ، فلا يفجأكم إلا وقد ملاها عليكم خيلا ورجلا فبقوا حائرين ، ثم قالوا لابليس : فما الرأي فيه يا شيخ؟ قال : ما فيه إلا رأي واحد ،قالوا : وما هي(16)؟ قال : يجتمع من كل بطن من بطون قريش وقبائل العرب ما أمكن ويكون معهم من بني هاشم رجل ، فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها ، فلا يستطيع بنو ـ هاشم أن يطلبوا بدمه ، وقد شاركوه فيه فان سألوكم أن تعطوهم الدية فأعطوهم ثلاث ديات ، فقالوا : نعم وعشر ديات ، ثم قال(17) : الرأي رأي الشيخ النجدي ، فاجتمعوا فيه ودخل معهم في ذلك أبولهب عم النبي (صلى الله عليه وآله) ، ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك وأنزل الله عليه في ذلك : « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ » واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه وخرجوا(18) إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت ، فأنزل الله : « وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً »(19) فالمكاء : التصفير ، والتصدية : صفق اليدين وهذه الآية معطوفة على قوله : « وإذ يمكر بك الذين كفروا » وقد كتبت بعد آيات كثيرة ، فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءت قريش ليدخلوا عليه ، فقال أبولهب : لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل ، فإن في الدار صبيانا ونساء ، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة ، فنحرسه الليلة ، فإذا أصبحنا دخلنا عليه ، فناموا حول حجرة رسول اللهصلى الله عليه وآله ، وأمر رسول ـ الله صلى الله عليه وآله أن يفرش له ، ففرش له ، فقال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : افدني بنفسك ، قال : نعم يا رسول الله ، قال : نم على فراشي ، والتحف ببردتي ، فنام على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتحف ببردته وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم : (20) « وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ » وقال جبرئيل : خذ على طريق ثور ، وهو جبل على طريق منى ، له سنام(21) كسنام الثور ، فدخل الغار(22) ، وكان من أمره ما كان ، فلما أصبحت قريش وثبوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش ، فوثب علي عليه السلام في وجوههم ، فقال ما شأنكم؟ قالوا له : أين محمد؟ قال : أجعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم : نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم ، فأقبلوا على أبي لهب يضربونه ، ويقولون : أنت تخدعنا منذ الليلة(23) ، فتفرقوا في الجبال ، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له : أبوكرز يقفو الآثار ، فقالوا : يا أبا كرز اليوم اليوم ، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : هذه قدم محمد ، والله لانها لاخت القدم التي في المقام ، وكان أبوبكر استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله فرده معه ، فقال أبوكرز : وهذه قدم أبي قحافة أو ابنه ، ثم قال : وههنا غير(24) ابن أبي قحافة ، فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار ، ثم قال : ما جازوا(25) هذا المكان ، إما إن يكونوا صعدوا إلى السماء ، أو دخلوا(26) تحت الارض ، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ، ثم قال : ما في الغار أحد ، فتفرقوا في الشعاب ، وصرفهم الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أذن لنبيه في الهجرة(٧).تفسير القمى : 249 ـ 253 والالفاط منه
(1) انسل : انطلق في استخفاء.
(2 و 5) الصحيح : حرام.
(3) قوله : « تكونون ملوكا في الجنة » تفسير القمى خال عنه.
(6) هكذا في النسخ ، والصحيح المنذر بن عمرو.
(7) في نسخة : اسيد بن حصين ، وفى اخرى : أسد بن حضير وكلاهما مصحفان ، واسيد بضم الهمزة ، وحضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة ، والرجل هو اسيد بن حضير بن سماك ابن عتيك الانصارى الاشهلى ابويحيى صحابى ، مات سنة ٢٠ ـ او ٢١.
(8) في بعض المصادر خثيمة بتقديم الثاء وهو مصحف ، والصحيح خيثمة بتقديم الياء على الثاء.
(9) في نسخة : الا رويت سيفى هذا من دمه.
(10) في نسخة : لا يعدوكم.
(11) في تفسير القمى : فان طلبت بنو هاشم بديته. وفى اعلام الورى : فان طلبت بنو هاشم دمه.
(12) في نسخة : تعصب. وفى التفسير : تغضب.
(13) في نسخة : تلقى إليه. وفى اخرى : تلقى عليه. وفى التفسير : نثبته في بيت ويلقى عليه قوته.
(14) في نسخة : حتى يأتى عليه ريب المنون.
(15) في نسخة : قالوا.
(16) في التفسير : وما هو؟
(17) في التفسير : ثم قالوا. وفى اعلام الورى : وقالوا باجمعهم.
(18) قوله : وخرجوا إلى قوله : فلما أمسى مختص بتفسير القمى ، واعلام الورى خال عنه ، وأما كتاب قصص الانبياء فليست عندنا نسخته حتى نعلم ما فيه.
(19) الانفال : 35.
(20) يس : 9.
(21) السنام : حدبة في ظهر البعير والثور.
(22) في إعلام الورى : فمر رسول الله صلىاللهعليهوآله وتلقاه أبوبكر في الطريق فأخذ بيده ومر به ، فلما انتهى إلى ثور دخل الغار.
(23) في اعلام الورى : فأقبلوا إليه يضربونه فمنعهم أبولهب ، وقالوا : أنت كنت تخدعنا منذ الليلة. أقول : أى قالوا لعلى عليهالسلام ، لانه بنومه على فراش رسول الله صلىاللهعليهوآله خدعهم فكانوا يظنون أنه النبى صلىاللهعليهوآله.
(24) في نسخة : عبر.
(25) في نسخة : ما جاوزوا.
(26) في نسخة : صعدا ودخلا بالتثنية ، فعليها ، فالصحيح : ما جازا. أيضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق