الأربعاء، 29 مايو 2024

قصة الشاب المذنب

  قصة الشاب المذنب - ووجوب اخلاص التوبة 

عن عبد الرحمان بن غنم الدوسي قال : دخل معاذ بن جبل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) باكياً ، فسلم فردّ عليه السلام ثم قال : «ما يبكيك يا معاذ؟» فقال : يا رسول الله ، إنّ بالباب شاباً طري الجسد نقي اللون حسن الصورة ، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها ، يريد الدخول عليك ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «ادخل عليّ الشاب يا معاذ» فأدخله عليه ، فسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) فردّ (عليه السلام) ، ثم قال : «ما يبكيك يا شاب؟» قال : وكيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً ، إن أخذني الله عزّ وجلّ ببعضها أدخلني نار جهنم ، ولا أراني إلّا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبداً ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
 «هل أشركت بالله شيئا؟» قال : أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئاً ، قال : «أقتلت النفس التي حرم الله؟» قال : لا ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : «يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل الجبال الرواسي» قال الشاب : فإنّها أعظم من الجبال الرواسي ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع ، وبحارها ورمالها وأشجارها ، وما فيها من الخلق» (فقال : إنّها أعظم من الأرضين السبع ، وبحارها ورمالها وأشجارها ، وما فيها من الخلق) [1] فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ، ومثل العرش والكرسي» قال : فإنّها أعظم من ذلك.

قال : فنظر النبي (صلّى الله عليه وآله) كهيئة الغضبان ، ثم قال : «ويحك يا شاب ، ذنوبك أعظم أم ربّك!؟» فخر الشاب لوجهه وهو يقول : سبحان [2] ربي ، ما شيء أعظم من ربي ، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم!؟» قال الشاب : لا والله يا رسول الله ، ثم سكت الشاب ، فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله) : «ويحك يا شاب ، أتخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟».

قال : بلى أخبرك ، إنّي كنت أنبش القبور [3] سبع سنين ، أُخرج الأموات وأنزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار ،
فلما حملت إلى قبرها ودفنت ، وانصرف عنها أهلها ، وجنّ عليهم الليل ، أتيت قبرها فنبشتها ، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها مجردة [4] على شفير قبرها ومضيت منصرفاً ، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ، ويقول أما ترى بطنها وبياضها! أما ترى وركيها! فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ، ولم أملك نفسي حتّى جامعتها ، وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول : يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين ، يوم يقفني وإيّاك ، كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي ، فويل لشبابك [5] من النار ، فما أظن أني أشم ريح الجنّة أبداً ، فما ترى لي رسول الله؟.

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «تنح عني يا فاسق ، إني أخاف أن احترق بنارك ، فما أقربك من النار!» ثم لم يزل (صلّى الله عليه وآله) ، يقول ويشير إليه ، حتّى أمعن من بين يديه.

فذهب فأتى المدينة فتزود منها ، ثم أتى بعض جبالها فتعبّد فيها ، ولبس مسحاً [6] وغل يديه جميعاً إلى عنقه ، ونادى : يا ربّ هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول ، يا رب أنت الذي تعرفني ، وزل منّي ما تعلم سيدي ، يا ربّ أني أصبحت من النادمين ، وأتيت نبيك تائباً فطردني وزادني خوفاً ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك ، أن لا تخيب رجائي يا سيدي ولا تبطل دعائي ، ولا تقنطني من رحمتك ، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة ، تبكي له السباع والوحوش ، فلمّا تمت له أربعون يوماً وليلة ، رفع يديه إلى السماء.

وقال : اللّهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي ، فأوح إلى نبيّك ، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي ، واردت عقوبتي ، فعجل بنار تحرقني ، أو عقوبة في الدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة ، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه (صلّى الله عليه وآله) : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) [7] يعني الزنى (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [8] يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان (ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [9] يقول : خافوا الله فعجلوا التوبة ، (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ) [10].
يقول عزّ وجلّ : أتاك عبدي يا محمّد تائباً فطردته ، فأين يذهب ، وإلى من يقصد ، ومن يسأل أن يغفر له ذنباً غيري؟ ثم قال عزّ وجلّ : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [11] يقول : لم يقيموا على الزنى ونبش القبور وأخذ الأكفان (أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) [12].

فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، خرج وهو يتلوها وهو [13] يتبسم ، فقال لأصحابه : «من يدلني على ذلك الشاب التائب؟» فقال معاذ : يا رسول الله ، بلغنا أنّه في موضع كذا وكذا ، فمضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأصحابه ، حتّى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب.

فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين ، مغلولة يداه إلى عنقه ، قد اسود وجهه ، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء ، وهو يقول : يا سيدي قد أحسنت خلقي ، وأحسنت صورتي ، فليت شعري ماذا تريد بي؟ أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللّهم إنّك قد أكثرت الإحسان إليّ فأنعمت [14] عليّ ، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري؟ إلى الجنّة تزفني؟ أم إلى النار تسوقني؟ اللّهم إنّ خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ، ومن كرسيك الواسع ، وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه ، وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير ، وهم يبكون لبكائه.

فدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأطلق يديه من عنقه ، ونفض التراب عن رأسه ، وقال : «يا بهلول أبشر ، فإنّك عتيق الله من النار» ثم قال (صلّى الله عليه وآله) لأصحابه : «هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها [15] بهلول» ثم تلا عليه ما أنزل الله عزّ وجلّ فيه وبشره بالجنة.أمالي الصدوق ص 45.

[1] ما بين القوسين ليس في المصدر.
[2] في المصدر زيادة : «الله».
[3] كان في الطبعة الحجرية : «القبر» ، وما أثبتناه من المصدر.
[4] في المصدر : «متجردة».
[5] كان في الحجرية : «لك لشبابك» ، وما أثبتناه من المصدر.
[6] مسحاً : المسح : كساء خشن من شعر يلبسه الرهبان والزهاد. لسان العرب ج 2 ص 596.
(7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 11) آل عمران 3 : 135.
[12] آل عمران 3 : 136.
[13] ليس في المصدر.
[14] في المصدر : وأنعمت.
[15] كان في الحجرية : تداركه ، وما أثبتناه من المصدر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجوب أمر الاهلين بالمعروف ونهيهم عن المنكر

   وجوب أمر الاهلين بالمعروف ونهيهم عن المنكر 1 -  عن عبد الاعلى مولى آل سام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما نزلت هذة الاية : (  ...