الجمعة، 9 مايو 2025

تتمة الحديث في احتجاج ومعاجز الرضا عليه السلام مع المعتزله والجاثليق

احتجاج ومعاجز الرضا عليه السلام مع المعتزله والجاثليق

فلما أخذ الرضا عليه‌ السلام إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت : فاسمع الآن يارأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود ، قال : هات بارك الله عليك وعلى من ولدك ، فتلا الرضا عليه‌ السلام السفر الاول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فقال : سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود؟ ولك من الامان والذمة والعهد ما قد أعطيته الجاثليق ، فقال رأس الجالوت : نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم قال الرضا عليه‌ السلام : بحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟ قال : نعم ، ومن جحدها كافر بربه وأنبيائه.

قال له الرضا عليه‌ السلام : فخذ الآن في سفر كذا من التوراة فأقبل الرضا عليه‌ السلام يتلو التوراة ورأس الجالوت يتعجب من تلاوته وبيانه ، وفصاحته ولسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد رأس الجالوت : نعم ، هذا أحماد وأليا وبنت أحماد وشبر وشبير تفسيره بالعربية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، فتلا الرضا عليه‌ السلام إلى تمامه.

فقال رأس الجالوت لما فرغ من تلاوته : والله يا ابن محمد لولا الرئاسة التي
حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد واتبعت أمرك فوالله الذي أنزل التوراة على موسى والزبور على داود مارأيت أقرأ للتوراة والانجيل والزبور منك ، ولا رأيت أحسن تفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك.

فلم يزل الرضا عليه‌ السلام معهم في ذلك إلى وقت الزوال فقال لهم حين حضر وقت الزوال : أنا اصلي وأصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت والي المدينة ليكتب جواب كتابه وأعود إليكم بكرة إنشاء الله ، قال فأذن عبدالله بن سليمان ، وأقام وتقدم الرضا عليه‌ السلام فصلى بالناس وخفف القراءة وركع تمام السنة وانصرف فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك ، فأتوه بجارية رومية فكلمها بالرومية والجاثليق يسمع ، وكان فهما بالرومية ، فقال الرضا عليه‌ السلام بالرومية : أيما أحب إليك محمد أم عيسى؟ فقالت : كان فيما مضى عيسى أحب إلي حين لم أكن عرفت محمدا فأمابعد أن عرفت محمدا فمحمد الآن أحب إلي من عيسى ومن كل نبي فقال لها الجاثليق : فاذا كنت دخلت في دين محمد فتبغضين عيسى؟ قالت : معاذ الله بل احب عيسى واؤمن به ولكن محمدا أحب إلي.

فقال الرضا عليه‌ السلام للجاثليق : فسر للجماعة ما تكلمت به الجارية وما قلت أنت لها وما أجابتك به ، ففسر لهم الجاثليق ذلك كله ، ثم قال الجاثليق : يا ابن محمد ههنا رجل سندي وهو نصراني صاحب احتجاج وكلام بالسندية ، فقال له : أحضر نيه ، فأحضره فتكلم معه بالسندية ثم أقبل يحاجه وينقله من شئ إلى شئ بالسندية في النصرانية فسمعنا السندي يقول ثبطى [ ثبطى ] ثبطلة ، فقال الرضا عليه‌ السلام : قد وحدالله بالسندية.

ثم كلمه في عيسى ومريم فلم يزل يدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ثم رفع منطقة كانت عليه فظهر من تحتها زنار في وسطه فقال : اقطعه أنت بيدك يا ابن رسول الله ، فدعا الرضا عليه‌ السلام بسكين فقطعه ، ثم قال لمحمد بن الفضل الهاشمي : خذ السندي إلى الحمام وطهره ، واكسه وعياله واحملهم جميعا إلى المدينة.

فلما فرغ من مخاطبة القوم ، قال : قد صح عندكم صدق ماكان محمد بن الفضل يلقي عليكم عني؟ قالوا : نعم ، والله لقدبان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة ، وقد ذكرلنا محمد بن الفضل أنك تحمل إلى خراسان؟ فقال : صدق محمد إلا أني احمل مكرما معظما مبجلا.

قال محمد بن الفضل : فشهد له الجماعة بالامامة ، وبات عندنا تلك الليلة فلما أصبح ودع الجماعة وأوصاني بما أراد ومضى ، وتبعته حتى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق فصلى أربع ركعات ثم قال : يا محمد انصرف في حفظ الله غمض طرفك فغمضته ثم قال : افتح عينيك ففتحتهما فاذا أنا على باب منزلي بالبصرة ولم أرى الرضا عليه‌ السلام قال : وحملت السندي وعياله إلى المدينة في قت الموسم.

قال محمدبن الفضل : كان فيما أوصاني به الرضا عليه‌ السلام في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي : صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك وأعلمهم أني قادم عليهم وأمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري فصرت إلى الكوفة فأعلمت الشيعة أن الرضا عليه‌ السلام قادم عليكم فأنا يوما عند نصر بن مزاحم إذ مربي سلام خادم الرضا فعلمت أن الرضا عليه‌ السلام قد قدم ، فبادرت إلى دار حفص بن عمير فاذا هو في الدار فسلمت عليه ثم قال لي : احتشد من طعام تصلحه للشيعة ، فقلت : قد احتشدت وفرغت مما يحتاج إليه ، فقال : الحمدلله على توفيقك.

فجمعنا الشيعة ، فلما أكلوا قال : يا محمد انظر من بالكوفة من المتكلمين والعلماء فأحضرهم فأحضرناهم ، فقال لهم الرضا عليه‌ السلام : إني اريد أن أجعل لكم حظا من نفسي كما جعلت لاهل البصرة ، وأن الله قد أعلمني كل كتاب أنزله ثم أقبل على جاثليق ، وكان معروفا بالجدل والعلم والانجيل فقال : يا جاثليق هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلقها في عنقه ، إذا كان بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم على الله باسم واحد من خمسة الاسماء أن تنطوي له الارض فيصير من المغرب إلى المشرق ، ومن المشرق إلى المغرب في لحظة؟ فقال الجاثليق : لاعلم

لي بها وأما الاسماء الخمسة فقد كانت معه يسأل الله بها أو بواحد منها يعطيه الله جميع ما يسأله قال : الله اكبر إذا لم تنكر الاسماء فأما الصحيفة فلا يضر أقررت بها أم أنكرتها اشهدوا على قوله.

ثم قال : يا معاشر الناس أليس أنصف الناس من حاج خصمه بملته وبكتابه وبنبيه وشريعته؟ قالوا : نعم ، قال الرضا عليه‌ السلام : فاعلموا أنه ليس بامام بعد محمد إلا من قام بما قام به محمد حين يفضي الامر إليه ، ولا يصلح للامامة إلا من حاج الامم بالبراهين للامامة ، فقال رأس الجالوت : وما هذا الدليل على الامام؟ قال : أن يكون عالما بالتوراة والانجيل والزبور والقرآن الحكيم ، فيحاج أهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بانجيلهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، وأن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفى عليه لسان واحد ، فيحاج كل قوم بلغتهم ، ثم يكون مع هذه الخصال تقيا نقيا من كل دنس طاهرا من كل عيب ، عادلا منصفا حكيما رؤفا رحيما غفورا عطوفا صادقا مشفقا بارا أمينا مأمونا راتقا فاتقا.

فقام إليه نصر بن مزاحم فقال : يا ابن رسول الله ما تقول في جعفر بن محمد؟ قال : ما أقول في إمام شهدت امة محمد قاطبة بأنه كان أعلم أهل زمانه ، قال : فما تقول في موسى بن جعفر؟ قال : كان مثله ، قال : فان الناس قد تحيروا في أمره قال : إن موسى بن جعفر عمر برهة من الزمان فكان يكلم الاتباط بلسانهم ، ويكلم أهل خراسان بالدرية وأهل روم بالرومية ، ويكلم العجم بألسنتهم ، وكان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود والنصارى ، فيحاجهم بكتبهم وألسنتهم.

فلما نفدت مدته ، وكان وقت وفاته أتاني مولى برسالته يقول : يابني إن الاجل قد نفد ، والمدة قد انقضت ، وأنت وصي أبيك فان رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله لما كان وقت وفاته دعا عليا وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كان فيها الاسماء التي خص الله بها الانبياء والاوصياء ، ثم قال : ياعلي ادن مني ، فغطى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله رأس علي عليه‌ السلام بملاءة ثم قال له : أخرج لسانك ، فأخرجه فختمه بخاتمه ، ثم قال : يا علي اجعل لساني في فيك ، فمصه وابلع عني (وابلغ) كل ماتجد في فيك ، ففعل علي ذلك فقال له : إن الله قد فهمك مافهمني ، وبصرك ما بصرني ، وأعطاك من العلم ما أعطاني ، إلا النبوة ، فانه لانبي بعدي ثم كذلك إمام بعد إمام ، فلما مضى موسى علمت كل لسان وكل كتاب.

الخرائج والجرائح: ج1 ص 341.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسالة الإمام الجواد إلى السالكين لطريق الحق

  مواعظ أبى جعفر محمد بن على الجواد صلوات الله عليه عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ،عن عمه حمزة بن بزيع قال : كتب  أبوجعفر عليه‌السلام  إلي  سعد...