فيهما من الاحتجاجات والمعجزات
روي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال : لما توفي موسى بن جعفر عليهما السلام أتيت المدينة فدخلت على الرضا عليه السلام فسلمت عليه بالامر وأوصلت إليه ماكان معي ، وقلت : إني سائر إلى البصرة ، وعرفت كثرة خلاف الناس وقد نعي إليهم موسى عليه السلام وما أشك أنهم سيسألوني عن براهين الامام ، ولو أريتني شيئا من ذلك فقال الرضا عليه السلام لم يخف علي هذا فأبلغ أولياءنا بالبصرة وغيرها أني قادم عليهم ولاقوة إلا بالله ثم أخرج إلي جميع ماكان للنبي عندالائمة من بردته وقضيبه وسلاحه وغير ذلك ، فقلت : ومتى تقدم عليهم؟ قال : بعد ثلاثة أيام من وصولك ودخولك البصرة ، فلما قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم : إني إتيت موسى بن جعفر قبل وفاته بيوم واحد فقال إني ميت لامحالة فاذا واريتنى في لحدي فلا تقيمن وتوجه إلى المدينة بودائعي هذه ، وأوصلها إلى ابني على بن موسى فهو وصيي وصاحب الامر بعدي ، ففعلت ما أمرني به وأوصلت الودائع إليه وهو يوافيكم إلى ثلاثة أيام من يومي هذا فسألوه عما شئتم.
فابتدر الكلام عمر وبن هداب (محدث) عن القوم وكان ناصبيا ينحو نحو التزيد والاعتزال ، فقال : يامحمد إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه وزهده وعلمه وسنة ، وليس هو كشاب مثل علي بن موسى ولعله لو سئل عن شئ من معضلات الاحكام لحار في ذلك ، فقال الحسن بن محمد وكان حاضرا في المجلس : لاتقل ياعمرو ذلك فان عليا على ماوصف من الفضل ، وهذا محمد بن الفضل يقول : إنه يقدم إلى ثلاثة أيام فكفاك به دليلا ، وتفرقوا.
فلما كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا عليه السلام قد وافى فقصد منزل الحسن بن محمد داخلا له داره ، وقام بين يديه ، يتصرف بين أمره ونهيه فقال : يا [ حسن بن ] محمد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد بن الفضل وغير هم من شيعتنا وأحضر جاثليق النصارى ورأس الجالوت ، ومر القوم يسألوا عما بدالهم فجمعهم كلهم والزيدية والمعتزلة ، وهم لا يعلمون لمايدعوهم الحسن بن محمد فلما تكاملوا ثني للرضا عليه السلام وسادة فجلس عليها ثم قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟ قالوا : لا ، قال : لتطمئن أنفسكم ، قالوا : من أنت يرحمك الله قال : أنا على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب وابن رسول الله صلى الله عليه وآله صليت اليوم صلاة الفجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله مع والي المدينة ، وأقرأني بعد أن صلينا كتاب صاحبه إليه واستشارني في كثير من اموره فأشرت عليه بما فيه الحظ له ووعدته أن يصير إلى بالعشى بعد العصر من هذا اليوم ، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه ، وأنا واف له بما وعدته ولاحول ولاقوة إلا بالله.
فقالت الجماعة : يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله مانريد مع هذا الدليل برهانا وأنت عندنا الصادق القول ، وقاموا لينصرفوا فقال لهم الرضا عليه السلام لاتتفرقوا فانى إنما جمعتكم لتسألوا عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الامامة التي لاتجدونها إلا عندنا أهل البيت فهلموا مسائلكم.
فابتدأ عمر وبن هداب فقال : إن محمد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لاتقبلها القلوب ، فقال الرضا عليه السلام: وماتلك؟ قال : أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله وأنك تعرف كل لسان ولغة ، فقال الرضا عليه السلام : صدق محمد بن الفضل فأنا أخبرته بذلك فهلموا فاسألوا قال : فانا نختبرك قبل كل شئ بالالسن واللغات
وهذا رومي وهذا هندي وفارسي وتركي فأحضرنا هم فقال عليه السلام فليتكلموا بما أحبوا اجب كل واحد منهم بلسانه إنشاءالله.
فسأل كل واحد منهم مسألة بلسانه ولغته ، فأجابهم عما سألوا بألسنتهم ولغاتهم فتحير الناس وتعجبوا وأقروا جميعا بأنه أفصح منهم بلغاتهم.
ثم نظر الرضا عليه السلام إلى ابن هداب فقال : إن أنا أخبرتك أنك ستبتلى في هذه الايام بدم ذي رحم لك كنت مصدقا لي؟ قال : لا ، فان الغيب لايعلمه إلا الله تعالى ، قال عليه السلام: أوليس الله يقول : «عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً *إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ » فرسول الله عند الله مرتضى ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ماشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وإن الذي أخبرتك به يا ابن هداب لكائن إلى خمسة أيام فان لم يصح ماقلت في هذه المدة فاني كذاب مفتر ، وإن صح فتعلم أنك الراد على الله ورسوله ، ، وذلك دلالة اخرى ، وأما إنك ستصاب ببصرك وتصير مكفوفا فلا تبصر سهلا ولا جبلا ، وهذا كائن بعد أيام ، ولك عندي دلالة اخرى إنك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص.
قال محمد بن الفضل : تالله لقد نزل ذلك كله بابن هداب ، فقيل له : صدق الرضا أم كذب؟ قال والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن ولكنني كنت أتجلد. الجن : 26 و27
ثم إن الرضا التفت إلى الجاثليق فقال : هل دل الانجيل على نبوة محمد صلى الله عليه وآله قال : لودل الانجيل على ذلك ماجحدناه ، فقال عليه السلام : أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق اسم من أسماء الله تعالى لايجوز لنا أن نظهره قال الرضا عليه السلام
: فان قر رتك أنه اسم محمد وذكره وأقر عيسى به
وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقر به ولاتنكره؟ قال الجاثليق : إن فعلت أقررت فاني لا أرد الانجيل ولا أجحد ، قال الرضا عليه السلام فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد وبشارة عيسى بمحمد ، قال الجاثليق : هات! فأقبل الرضا عليه السلام يتلو ذلك السفر من الانجيل حتى بلغ ذكر محمد فقال : يا جاثليق من هذا الموصوف؟ قال الجاثليق صفه قال : لا أصفه إلا بما وصفه الله ، هو صاحب الناقة والعصا والكساء النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الاقصد ، والمنهاج الاعدل ، والصراط الاقوم.
فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا عليه السلام عالم بالتوراة والانجيل فقالا : والله قد أتى بمالا يمكننا رده ولا دفعه إلابجحود التوراة والانجيل والزبور ، ولقد بشر به موسى وعيسى جميعا ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا ، فأما اسمه فمحمد فلا يجوز لنا أن نقر لك بنبوته ، ونحن شاكون أنه محمد كم أو غيره ، فقال الرضا عليه السلام: احتججتم بالشك فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد؟ أو تجدونه في شئ من الكتب الذي أنزلها الله على جميع الانبياء غير محمد؟ فأحجموا عن جوابه ، وقالوا : لايجوزلنا أن نقرلك بأن محمدا هو محمد كم لانا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الاسلام كرها.
فقال الرضا عليه السلام أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله وذمة رسوله أنه لا يبدؤك منا شئ تكره مما تخافه وتحذره ، قال : أما إذ قد آمنتني فان هذا النبي الذي اسمه محمد وهذا الوصي الذي اسمه علي وهذه البنت التي اسمها فاطمة ، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والانجيل والزبور [ قال الرضا عليه السلام : فهذا الذي ذكرته في التوراة والانجيل والزبور ] من اسم هذا النبي وهذا الوصي وهذه البنت وهذين السبطين ، صدق وعدل أم كذب وزور؟ قال : بل صدق وعدل ، ماقال إلا الحق.
الخرائج والجرائح: ج1 ص 341.
للحديث تتمه في النشرة القادمة ان شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق