الخميس، 2 مايو 2024

وصية الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول

  نبذة لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول

هو أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الكوفي المعروف عندنا بصاحب الطاق أو مؤمن الطاق والمخالفون يلقبونه شيطان الطاق، كان صيرفيا في طاق المحامل بالكوفة يرجع إليه في النقد فيخرج كما ينقد فيقال: شيطان الطاق وهو من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام كان رحمه الله ثقة، متكلما، حاذقا، كثير العلم، حسن الخاطر، حاضر الجواب حكى عن أبي خالد الكابلي أنه قال: رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة ازاره وهو دائب يجيبهم ويسألونه فدنوت منه وقلت: ان أبا عبد الله عليه السلام نهانا عن الكلام. فقال: وأمرك أن تقول لي؟ فقلت: لا والله ولكنه أمرني أن لا أكلم أحدا قال: فاذهب وأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبى عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق وما قلت له وقوله: اذهب وأطعه فيما أمرك. فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال: يا أبا خالد ان صاحب الطاق يكلم الناس فيطير وينقض وأنت ان قصوك لن تطير اه‌. وله مع أبي حنيفة حكايات نقلها المؤرخون وأهل السير فمنها أنه لما مات الصادق عليه السلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له: مات امامك، قال: نعم أما امامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم. وله كتب منها كتاب الإمامة وكتاب المعرفة وكتاب الرد على المعتزلة في امامة المفضول وكتاب في اثبات الوصية وغير ذلك.

وصيته عليه السلام لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول

قال أبو جعفر: قال لي الصادق عليه السلام: إن الله عز وجل عير أقواما في القرآن بالإذاعة فقلت له: جعلت فداك أين قال؟ قال: قوله: " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ[1] " ثم قال: المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا، رحم الله عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه. والله إني لاعلم بشراركم من البيطار بالدواب، شراركم الذين لا يقرؤون القرآن إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يحفظون ألسنتهم .[1النساء 4: 83.

إعلم أن الحسن بن علي عليهما السلام لما طعن واختلف الناس عليه سلم الامر لمعاوية فسلمت عليه الشيعة " عليك السلام يا مذل المؤمنين "، فقال عليه السلام: " ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الامر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم ".

يا ابن النعمان إني لا حدث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني فأستحل بذلك لعنته ولا براءة منه. فان أبي كان يقول: " وأي شئ أقر للعين من التقية، إن التقية جنة المؤمن  ولولا التقية ما عبد الله ". وقال الله عز وجل: " ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِيشَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً  ﴾.[1] ".[1آل عمران 3 : 28.

يا ابن النعمان إياك والمراء، فإنه يحبط عملك. وإياك والجدال، فإنه يوبقك. وإياك وكثرة الخصومات، فإنها تبعدك من الله. ثم قال: إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت وأنتم تتعلمون الكلام، كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبد وإلا قال: ما أنا لما أروم بأهل [1]، إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في دولة الباطل على الأذى، أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون. إن أبغضكم إلي المتراسون [2] المشاؤون بالنمائم، الحسدة لإخوانهم، ليسوا مني ولا أنا منهم. إنما أوليائي الذين سلموا لامرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كل أمورنا. ثم قال: والله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا على الله، ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار.
[1] رام الشئ يروم روما، أراده.
[2] تراس القوم الخبر: تساروه. وارتس الخبر في الناس: فشا وانتشر. ويحتمل أن يكون كما في بعض نسخ الحديث " المترأسون " بالهمزة من ترأس أي صار رئيسا.

يا ابن النعمان إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا، بل هو أعظم وزرا، بل هو أعظم وزرا.

يا ابن النعمان إنه من روى علينا حديثا [1] فهو ممن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ.
[1] في بعض النسخ " حديثنا ".

يا ابن النعمان إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية، فان المتعرض للدولة قاتل نفسه [1] وموبقها، إن الله يقول: " {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[2] ".
[1] كان ذلك إذا حفظ بها أصول الاسلام وأساس الدين وضرورياته والا فلا يجوز بل حرام فليس هذا بعمل التقية.
[2] البقرة 2: 195.

يا ابن النعمان إنا أهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا ولا من أهل ديننا، فإذا رفعه ونظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا، وكلما ذهب واحد جاء آخر.

يا ابن النعمان من سئل عن علم، فقال: لا أدري فقد ناصف العلم، والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه، فإذا قام ذهب عنه الحقد.

يا ابن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم، لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل عليه السلام وأسره جبرئيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وأسره محمد صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام، وأسره علي عليه السلام إلى الحسن عليه السلام، وأسره الحسن عليه السلام إلى الحسين عليه السلام، وأسره الحسين عليه السلام إلى علي عليه السلام، وأسره علي عليه السلام إلى محمد عليه السلام، وأسره محمد عليه السلام إلى من أسره، فلا تعجلوا فوالله لقد قرب هذا الامر ثلاث مرات فأذعتموه، فأخره الله، والله مالكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم.

يا ابن النعمان ابق على نفسك فقد عصيتني. لا تذع سري، فان المغيرة بن سعيد  كذب على أبي وأذاع سره فأذاقه الله حر الحديد. وإن أبا الخطاب كذب علي وأذاع سري فأذاقه الله حر الحديد، ومن كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا والآخرة وأعطاه حظه، ووقاه حر الحديد وضيق المحابس، إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي والنسل فدعا الله موسى بن عمران عليه السلام فقال: يا موسى إنهم أظهروا الزنى والربا وعمروا الكنائس وأضاعوا الزكاة، فقال: إلهي تحنن برحمتك عليهم فإنهم لا يعقلون. فأوحى الله إليه أني مرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوما. فأذاعوا ذلك وأفشوه، فحبس عنهم القطر أربعين سنة وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم.

يا أبا جعفر مالكم وللناس كفوا عن الناس، ولا تدعوا أحدا إلى هذا الامر، فوالله لو أن أهل السماوات [والأرض] اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه. كفوا عن الناس ولا يقل: أحدكم أخي وعمي وجاري. فإن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه، فلا يسمع معروفا إلا عرفه، ولا منكرا إلا أنكره، ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره.

يا ابن النعمان إن أردت أن يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه، ولا تمارينه، ولا تباهينه [1] ولا تشارنه، ولا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك، فإن الصديق قد يكون عدوك يوما.
[1] أي لا تفاخرنه. و " لا تشارنه " أي ولا تخاصمنه.


يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن: سنة من الله وسنة من رسوله وسنة من الامام، فأما السنة من الله عز وجل فهو أن يكون كتوما للاسرار يقول الله جل ذكره: "  عَالِم الْغَيْب فَلَا يُظْهِر عَلَى غَيْبه أَحَدًا } [1] " وأما التي من رسول الله صلى الله عليه وآله فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفية، وأما التي من الامام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج.[1الجن 72: 26.

يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة.

يا ابن النعمان من قعد إلى ساب أولياء الله فقد عصى الله. ومن كظم غيظا فينا لا يقدر على إمضائه كان معنا في السنام الاعلى [1].
ومن استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس.
[1] أي في الدرجة الرفيعة العالية.

يا ابن النعمان لا تطلب العلم لثلاث: لترائي به، ولا لتباهي [به]، ولا لتماري ولا تدعه لثلاث: رغبة في الجهل، وزهادة في العلم: واستحياء من الناس، والعلم [ال‌] مصون كالسراج المطبق عليه.

يا ابن النعمان إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء، فجال القلب بطلب الحق. ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره [1].
[1] الوكر: عش الطائر أي بيته وموضعه.

يا ابن النعمان إن حبنا أهل البيت - ينزله الله من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب والفضة ولا ينزله إلا بقدر، ولا يعطيه إلا خير الخلق، وإن له غمامة كغمامة القطر، فإذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطل السحاب [1] فتصيب الجنين في بطن أمه.
[1] تهطل المطر: نزل متتابعا عظيم القطر.
التحف ص : 301-307-313.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

استحباب تذاكر فضل الائمة ( عليهم السلام ) وأحاديثهم وكراهة ذكر أعدائهم

     استحباب تذاكر فضل الائمة ( عليهم السلام ) وأحاديثهم وكراهة ذكر أعدائهم 1 - عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت  أبا عبدالله ( عليه السلام )  ...