وصايا الباقر عليه السلام
4 - تحف العقول [1]: موعظة: وحضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون، فأغاظه ذلك فأطرق مليا، ثم رفع رأسه إليهم، فقال: إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا. ألا يا أشباحا بلا أرواح، و ذبابا بلا مصباح كأنكم خشب مسندة [2] وأصنام مريدة، ألا تأخذون الذهب من الحجر؟ ألا تقتبسون الضياء من النور الأزهر،؟ ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر؟ خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها، فإن الله يقول: " الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ [3] ". ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانيا ويعطيك باقيا، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم، آتاك الله عند مكافأة [4]، هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يراعيك، من حفظك في - ليلك ونهارك، وأجابك عند اضطرارك، وعزم لك على الرشد في اختبارك. كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر، فنسيته فيمن ذكر، وخالفته فيما أمر.
ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب [5] كلما عرضت لك شهوة أو
[1] التحف ص 291.
[2] شبههم عليه السلام في عدم الانتفاع بهم بالخشب المسندة إلى الحائط والأصنام المنحوتة من الخشب وان كانت هياكلهم معجبة وألسنتهم ذلقة. وفى بعض النسخ " و أصنام مربذة ".
[3] سورة الزمر: 18.
[4] إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة: 261. " مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ".
[5] اللص - بالكسر -: فعل الشئ في ستر - ومنه قيل للسارق: لص. وجمعه لصوص.
ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لست بعين الله، أو كأن الله ليس لك بالمرصاد، يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك، وأوهى همتك [1] فلله أنت من طالب ومطلوب، ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها، وما أكسبك لما يوقعك فيها. انظروا إلي هذه القبور سطورا بأفناء الدور، تدانوا في خططهم [2] وقربوا في مزارهم، وبعدوا في لقائهم، عمروا فخربوا، وأنسوا فأوحشوا، وسكنوا فازعجوا، وقطنوا فرحلوا [3] فمن سمع بدان بعيد وشاحط قريب [4]، وعامر مخرب، وآنس موحش، وساكن مزعج، و قاطن مرحل غير أهل القبور؟.
يا ابن الأيام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك، فياله من يوم عظيم.
يا ذوي الهيئة المعجبة، والهيم المعطنة [5] مالي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة، أوما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه، وما أنتم إليه صائرون لقلتم: " يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [6] " وقال جل من قائل: " بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [7] ".
[1] أوهى فلانا: أضعفه وجعله واهيا.
[2] الخطط: جمع خطة - بالكسر -: ما يخيطه الانسان من الأرض ليعلم أنه قد احتازها ليبنيها دارا. والأرض التي تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك - وبالضم -: الامر والخصلة.
[3] القاطن: المقيم.
[4] الشاحط: البعيد.
[5] الهيم: الإبل العطاش. العطن - بالنحريك -: وطن الإبل ومبركها حول الماء. وأعطنت الإبل: حبسها عند الماء فبركت بعد الورود. وعطنت الإبل: رويت ثم بركت.
[6] سورة الأنعام: 27.
[7] سورة الأنعام. 28.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق