**(كتاب كتبه عليه السلام لدار شريح)
**وشريح القاضي هو الذي استعمله عمر ابن الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل قاضيا ستين سنة الا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير وقيل فلم يزل بالكوفة قاضيا من عهد عمر إلى مدة 75 سنة ولم يعطل فيها غير عامين أو أربعة استعفى الحجاج بن يوسف في فتنة ابن الزبير فأعفاه ومات سنة 87 وعمره مائة وثمان سنين وأدرك الجاهلية ولا يعد من الصحابة بل كان من التابعين، وقيل عزله علي عليه السلام عن القضاء مدة عشرين يوما ثم نصبه.
الرواية
عن عبد العظيم الحسني، عن أبيه، عن أبان مولى زيد ابن علي، عن عاصم بن بهدلة قال: قال لي شريح القاضي: اشتريت دارا بثمانين دينارا وكتبت كتابا، وأشهدت عدولا فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فبعث إلي مولاه قنبرا فأتيته فلما أن دخلت عليه قال:
يا شريح اشتريت دارا وكتبت كتابا وأشهدت عدولا ووزنت مالا؟ قال: قلت: نعم قال: يا شريح اتق الله فإنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسئل عن بينتك، حتى يخرجك من دارك شاخصا [1] ويسلمك إلى قبرك خالصا، فانظر أن لا تكون اشتريت هذه الدار من غير مالكها، ووزنت مالا من غير حله، فإذا أنت قد خسرت الدارين جميعا الدنيا و الآخرة.
ثم قال عليه السلام: يا شريح فلو كنت عندما اشتريت هذه الدار أتيتني فكتبت لك كتابا على هذه النسخة إذا لم تشترها بدرهمين.
قال: قلت: وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين قال: كنت أكتب لك هذا الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت أزعج بالرحيل [2] اشترى منه دارا في دار الغرور، من جانب الفانين إلى عسكر الهالكين، وتجمع هذه الدار حدودا أربعة فالحد الأول منها ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الثاني منها ينتهى إلى دواعي العاهات، والحد الثالث منها ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الرابع منها ينتهي إلى الهوى المردي والشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار [3]، اشترى هذا المفتون بالأمل، من هذا المزعج بالأجل، جميع هذه الدار بالخروج من عز القنوع والدخول في ذل الطلب فما أدرك هذا المشتري [فيما اشتري منه] من درك فعلى مبلي أجسام الملوك [4]، وسالب نفوس الجبابرة مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير [5] ومن جمع المال إلى المال فأكثر، وبنى فشيد، ونجد فزخرف [6] وادخر بزعمه للولد، إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض والحساب لفصل القضاء، وخسر هنالك المبطلون، شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى، ونظر بعين الزوال لأهل الدنيا، وسمع منادي أهل الزهد ينادي في عرصاتها ما أبين الحق لذي عينين، إن الرحيل أحد اليومين، تزودوا من صالح الأعمال وقربوا الآمال بالآجال فقد دنا الرحلة والزوال. المجلس الحادي والخمسون ص 187.
بيان: قوله عليه السلام [6].
[1] شاخصا أي ذاهبا مبعدا.
[2] أزعج على صيغة المجهول: أي اقلع. [3] يشرع أي يفتح في الحد الرابع. [4] كذا وفى بعض النسخ " مبلبل أجسام الملوك ". أي مهيج داءاتها، المهلكة لها.
[5] تبع: ملوك اليمن. حمير أبو قبيلة من اليمن. [6] شيد أي رفع. ونجد بشد الجيم أي زين.
[6] هنا بياض مقدار نصف صفحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق