مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه
1-عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن الحسين عن أبيه عليهمالسلام قال : بينا أمير المؤمنين عليهالسلام ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب إذ أتاه شيخ عليه شخبة السفر فقال أين أمير المؤمنين؟ فقيل هو ذا فسلم عليه ثم قال : يا أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا احصى ، وإني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك الله ، قال : نعم.
يا شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراغها .
ومن كانت غده شر يوميه فمحروم ، ومن لم يبال ما رزء من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك ، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، ومن كان في نقص فالموت خير له.
يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة ولها أهل وإن الاخرة لها أهل ، ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا يتنافسون في الدنيا ، ولا يفرحون بغضارتها ، ولا يحزنون لبؤسها.
يا شيخ من خاف البيات قل نومه ، ما أسرع الليالي والايام في عمر العبد ، فاخزن لسانك ، وعد كلامك يقل كلامك إلا بخير.
يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك ، وأت إلى الناس ما تحب أن يؤتي إليك.
ثم أقبل على أصحابه فقال : أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى ، فبين صريع يتلوى ، وبين عائد ومعود وآخر بنفسه يجود ، وآخر لا يرجى وآخر مسجى وطالب الدنيا والموت يطلبه ، وغافل و ليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضي يصير الباقي.
فقال له زيد بن صوحان العبدي : يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال : الهوى قال : فأي ذل أذل؟ قال : الحرص على الدنيا ، قال : فأي فقر أشد؟ قال : الكفر بعد الايمان ، قال : فأي دعوة أضل؟ قال : الداعي بما لا يكون قال : فأي عمل أفضل؟ قال : التقوى ، قال فأي عمل أنجح؟ قال : طلب ما عند الله ، قال : فأي صاحب شر؟ قال : المزين لك معصية الله ، قال :
فأي الخلق أشقى؟ قال : من باع دينه بدنياه غيره ، قال : فأي الخلق أقوى؟ قال : الحليم ، قال : فأي الخلق أشح؟ قال : من أخذ المال من غير حله فجعله في غير حقه ، قال : فأي الناس أكيس؟ قال : من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده ، قال : فمن أحلم الناس؟ قال : الذي لا يغضب ، قال : فأي الناس أثبت رأيا؟ قال : من لم يغره الناس من نفسه ولم تغره الدنيا بتشوفها قال :
فأي الناس أحمق؟ قال المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها ، قال : فأي الناس أشد حسرة؟ قال : الذي حرم الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين ، قال : فأي الخلق أعمى؟ قال : الذي عمل لغير الله ، يطلب بعمله الثواب من عند الله عزوجل قال : فأي القنوع أفضل؟ قال : القانع بما أعطاه الله ، قال : فأي المصائب أشد؟ قال : المصيبة بالدين ، قال :
فأي الاعمال أحب إلى الله عزوجل؟ قال : انتظار الفرج ، قال : فأي الناس خير عندالله عزوجل؟ قال : أخوفهم الله وأعملهم بالتقوى وأزهدهم في الدنيا ، قال : فأي الكلام أفضل عند الله عزوجل؟ قال : كثرة ذكره والتضرع إليه ودعاؤه ، قال : فأي القول أصدق؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله قال : فأي الاعمال أعظم عند الله عزوجل؟ قال : التسليم والورع ، قال : فأي الناس أكرم؟ قال : من صدق في المواطن.
ثم أقبل عليه السلام على الشيخ فقال : يا شيخ إن الله عزوجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم ، فزهدهم فيها وفي حطامها ، فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم إليه ، وصبروا على ضيق المعيشة ، وصبروا على المكروه ، واشتاقوا على ما عند الله من الكرامة ، وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله وهو عنهم راض ، وعلموا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي ، فتزودوا لاخرتهم غير الذهب والفضة ، ولبسوا الخشن ، وصبروا على القوت وقدموا الفضل ، و
أحبوا في الله وأبغضوا في الله عزوجل ، اولئك المصابيح وأهل النعيم في الاخرة والسلام.
فقال الشيخ : فأين أذهب وأدع الجنة وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير المؤمنين جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك ، فأعطاه أمير المؤمنين عليهالسلام سلاحا وحمله فكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين عليهالسلام يضرب قدما [ قدما ] وأمير المؤمنين عليهالسلام يعجب مما يصنع ، فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحم الله وأتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام فوجده صريعا ووجد دابته ووجد سيفه في ذراعه فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين عليهالسلام بدابته وسلاحه وصلى أمير المؤمنين عليهالسلام عليه وقال : هذا والله السعيد حقا فترحموا على أخيكم.
الامالى ج 2 ص 49.
بحار الانوار : ج 74 ص 376-379.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق