مواعظ أبى محمد العسكري عليهما السلام وكتبه إلى أصحابه
[إسحاق بن إسماعيل النيسابوري] هو ثقة من أصحاب أبي محمد العسكري عليه السلام وممن كانت ترد عليهم التوقيعات أيضا.
حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد عليه السلام توقيع :
يا إسحاق بن إسماعيل سترنا الله وإياك بستره ، وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، قد فهمت كتابك يرحمك الله ، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على موالينا ، ونسر بتتابع احسان الله إليهم وفضله لديهم ، ونعتد بكل نعمة ينعمها الله عز وجل عليهم .
وأنا أقول : الحمدلله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبدا لابد ، بما من به عليك من نعمته ، ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك على العقبة ، وأيم الله إنها لعقبة كؤد شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، طويل عذابها ، قديم في الزبر الاولى ذكرها.
إنها يا ابن اسماعيل ليس تعمى الابصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وذلك قول الله عزوجل في محكم كتابه للظالم ، رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا « قال الله عزوجل « كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى» [1] وأي آية يا إسحاق أعظم من حجة الله عزوجل على خلقه ، وأمينه في بلاده ، و شاهد على عباده ، من بعد ما سلف من آبائه الاولين من النبيين وآبائه الاخرين من الوصيين ، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته.[1]طه : 126.
فأين يتاه بكم؟ وأين تذهبون كالا نعام على وجوهكم؟ عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة الله تكفرون ، أو تكذبون ، فمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غير كم إلا خزي في الحياة الدنيا الفانية ، وطول عذاب الاخرة الباقية ، وذلك والله الخزي العظيم.
إن الله بفضله ومنه لما فرض عليكم الفرائض ، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم ، بل رحمة منه لا إله إلا هو عليكم ، ليميز الله الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدور كم ، وليمحص ما في قلوبكم ولتألفوا [2] إلى رحمته ، ولتتفاضل منارلكم في جنته.[2]ولتتسا بقوا ، خ ل.
ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصوم ، و الولاية ، وكفابهم لكم بابا ليفتحوا أبواب الفرائض ، ومفتاحا إلى سبيله ، ولولا محمد 9 والاوصياء من بعده لكنتم حيارى كالبهائم ، لاتعرفون فرضا من الفرائض وهل يدخل قرية إلا من بابها.
فلما من عليكم باقامة الاولياء بعد نبيه ، قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه واله {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [1] وفرض عليكم لاوليائه حقوقا أمركم بأدائها إليهم ، ليحل لكم ما وراء ظهور كم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم ، ويعرفكم بذلك النماء والبركة و الثروة ، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب ، قال الله عزوجل « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [2].[1]المائدة : 3. [2]الشورى : 23.
واعلموا أن من يبخل فانما يبخل على نفسه ، وأن الله هو الغني وأنتم الفقراء لا إله إلا هو.
ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم ، ولولا ما يجب من تمام النعمة من الله عزوجل عليكم ، لما أريتكم مني خطا ولاسمعتم منى حرفا من بعد الماضي عليه السلام.
أنتم في غفلة عما إليه معاد كم ، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره إليكم ، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم ابن عبدة ، وفقه الله لمرضاته وأعانه على طاعته ، وكتابه الذي حمله محمد بن موسى النيسابوري والله المستعان على كل حال ، وإني أراكم مفرطين في جنب الله فتكونون من الخاسرين.
فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة الله ، ولم يقبل مواعظ أوليائه ، وقد أمر كم الله عزوجل بطاعته لا إله إلا هو ، وطاعة رسوله 9 وبطاعة اولي الامر : فرحم الله ضعفكم وقلة صبركم عما أمامكم فما أغر الانسان بربه الكريم ، واستجاب الله تعالى دعائي فيكم ، وأصلح امور كم على يدي ، فقد قال الله جل جلاله ،(يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ)« [3] وقال جل جلاله : » و [كَذَٰلِكَ ] جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ« [4] وقال الله جل جلاله
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) » [5] فما احب أن يدعو الله جل جلاله بي ولا بمن هو في أيامي إلا حسب رقتي عليكم ، وما انطوى لكم عليه من حب بلوغ الامل في الدارين جميعا ، والكينونة معنا في الدنيا والاخرة .[3]الاسراء : 71. [4]البقرة : 143. [5]آل عمران : 110.فقد ـ يا إسحاق! يرحمك الله ويرحم من هووراءك ـ بينت لك بيانا وفسرت لك تفسيرا ، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الامر قط ولم يدخل فيه طرفة عين ، و لو فهمت الصم الصلاب بعض ما في هذا الكتاب ، لتصدعت قلقا خوفا من خشية الله ورجوعا إلى طاعة الله عزوجل ، فاعموا من بعد ماشئتم فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتقين والحمد لله كثيرا رب العالمين.
ويقرء إبراهيم بن عبده كتابي هذا على من خلفه ببلده حتى لا يتساءلون ، و بطاعة الله يعتصمون ، والشيطان بالله عن أنفسهم يجتنبون ولا يطيعون ، وعلى إبراهيم ابن عبده سلام الله ورحمته وعليك يا إسحاق ، وعلى جميع موالي السلام كثيرا سدد كم الله جميعا بتوفيقه.
وكل من قرء كتابنا هذا من موالي من أهل بلدك ، ومن هو بنا حيتكم ونزع عما هو عليه من الانحراف عن الحق فليؤد حقوقنا إلى إبراهيم ، وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلى الرازي رضي الله عنه أو إلى من يسمي له الرازي ، فان ذلك عن أمري ورأيي إنشاء الله.
وقد وقعنا في كتابك بالوصول والدعاء لك ولمن شئت ، وقد أجبنا سعيدا [1] عن مسألته والحمد لله فما ذا بعد الحق إلا الضلال ، فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العمري رضي الله عنه برضاي عنه ، وتسلم عليه ، وتعرفه ويعرفك ، فانه الطاهر الامين العفيف القريب منا وإلينا. فكل ما يحمل إلينا من شئ من النواحي فاليه يصير آخر أمره ، ليوصل ذلك إلينا ، والحمد لله كثيرا. [1]شيعتنا خ ل.
سترنا الله وإياكم يا إسحاق بستره وتولاك في جميع امورك بصنعه ، والسلام عليك وعلى جميع موالى ورحمة الله وبركاته ، وصلى الله على سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.رجال الكشى ص 481 ـ 485.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق