السبت، 3 سبتمبر 2022

ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

 شَهَادَة الْإِمَامِ الْحَسَنِ الْمُجْتَبَى عَلَيْهِ السَّلَامُ 

 وَحَدَّث عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَال : دَخَلْتُ أَنَا وَرَجُلٌ عَلَى الْحَسَنِ (عليه السَّلَام ) نَعُودُه ، فَقَال : يَا فُلَانُ سَلْنِي ؟ فَقَال : لَا وَاَللّهِ لَا أَسْأَلُك حَتَّى يُعَافِيَك اللَّهُ ثُمَّ نَسْأَلُك ، ثُمَّ إنَّهُ دَخَلَ إلَى الخَلاَءِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا ، فَقَال : سَلْنِي قَبْلَ أَنْ لَا تَسْأَلْنِي ، قَال : بَل يُعَافِيَك اللَّهُ ، وَأَسْأَلُك ، ثُمَّ إنَّهُ قَالَ : لَقَد رَمَيْت قِطْعَةٌ مِنْ كَبِدِي ، وَإِنِّي قَدْ سُقِيَت السُّمّ مِرَارًا فَلَمْ اسْق مِثْلِ هَذِهِ الْمَرَّةِ ، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَالْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَال : يَا أَخِي مِنْ تَتَّهِم ؟ فَقَال : وَمَا ذَا تُرِيد مِنْه ؟ فَقَال : لِأَقْتُلَه ، فَقَال : إنْ يَكُنْ ، الَّذِي أَظُنُّه فَاَللَّهُ أَشَدُّ نِقْمَة مِنْك وَأَشَدَّ تنكيلا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِي بَرِئ ، ثُمَّ إنَّ الْحُسَيْنَ (عليه السَّلَام ) بَكَى لَمَّا رَأَى مِنْ حَالِ أَخِيه ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ (عليه السَّلَام ) : أتبكى يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا الَّذِي يُؤْتَى إلَى بِالسُّمّ فَأَقْضِي بِه ، وَلَكِنْ لَا يَؤُمُّ كيومك ، يَزْدَلِف إلَيْك ثَلَاثُونَ أَلْفَ رَجُلٍ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أُمِّهِ جَدُّك فيقتلونك ، وَيَقْتُلُون بَنِيك وَذُرِّيَّتِك ، وَيُسْبَوْن حريمك ، وَيَسِيرُون بِرَأْسِك هَدْيِهِ إلَى أَطْرَافِ الْبِلَاد ، فَاصْبِر يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَنْتَ شَهِيدٌ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَعَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالصَّبْر وَالتَّسْلِيم لِأَمْرِه ، وَالتَّفْوِيض لَه ، لِتَنَال الْأَجْرُ الَّذِي وَعَدْنَا بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ (عليه السَّلَام ) سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا رَاضِيًا مُسَلَّمًا لَهُ الْأَمْرُ ، وَأَهْوَن عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنّهُ بِعَيْن اللَّه ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ (عليه السَّلَام ) : وَفَّقْت لِكُلِّ خَيْرٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ . ثُمَّ إنَّ الْحَسَنَ (عليه السَّلَام ) قَامَ فِي مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا تَحَقَّقَ دُنُوٌّ

أَجَلِه ، دعى بِالْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) وَنَصْبُه عِلْمًا لِلنَّاس ، وَدَفَعَ إلَيْهِ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى اللَّهُ عَلَيْهِ واله) وَسِلَاحَه ، وَكَتَب أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلَام ) وَسِلَاحَه ، وَأَوْصَاه بِجَمِيعِ مَا أَوْصَى بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا أَخِي إنِّي مفارقك وَلَا حَقَّ بِرَبِّي عزوجل ، وَقَد سُقِيَت السُّمّ وَرُمِيَت بكبدي فِي الطَّشْت ، وَإِنِّي لِعَارِف بِمَن سَقَانِي السُّمّ وَمِنْ أَيْنَ دهيت ، وَأَنَا أُخَاصِمُه عِنْدَ اللَّهِ ، فبحقي عَلَيْكَ لَا تهرق فِي أَمْرِي مَلّ ء مِحْجَمَة دَمًا ، فَإِذَا قُضِيَتْ نحبي ، فغمضني ، وغسلني ، وَكَفَنِي ، واحملني عَلَى سَرِيرِي إلَى قَبْرٍ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ ، لاجدد بِهِ عَهْدًا وميثاقا ، ثُمّ رَدَّنِي إلَى قَبْرٍ جَدَّتِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ ، وادفني هُنَاك ، وَسَتَعْلَم يَا ابْنَ أُمّي إنْ الْقَوْمَ يَظُنُّون أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ دَفْنِي عِنْد جَدِّي ، فَيَجِدُونَ فِي مَنَعَك ، فَبِاَللَّه أُقْسِمُ عَلَيْكَ لَا تهرق فِي أَمْرِي مَلّ ء مِحْجَمَة دَمًا . ثُمّ أَوْصَاه بِجَمِيع أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ ، وَمَا كَانَ أَوْصَى بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حِين اِسْتَخْلَفَهُ وَأَهْلِه ، وَدَلّ شِيعَتَهُ عَلَى إمَامَتِهِ وَنَصْبُه لَهُمْ عِلْمًا مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَوْلَادِهِ وَإِخْوَتِه وَأَمَرَهُم بِاتِّبَاع الْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) ، وَأَنْ لَا يُخَالِفُوا لَهُ أَمْرًا . ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَكَانَ الْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) عِنْدَه جَعَل يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ إخْوَةٌ الْحُسَيْن يُعَزِّيه : يَا أَخِي مَا هَذَا الْجَزَع ؟ إِنَّك تَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى عَلِيٍّ وَهُمَا أبواك ، وَعَلَى خَدِيجَة وَفَاطِمَة وَهُمَا أماك ، وَعَلَى الْقَاسِمَ وَالطّاهِرَ وَهُمَا خالاك ، وَعَلَى حَمْزَةَ وَجَعْفَر وَهُمَا عماك ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ (عليه السَّلَام ) : إِنِّي أَدْخُلُ فِي أَمْرِ لَمْ أَدْخُلْ فِي مِثْلِهِ ، وَأَرَى خَلْقًا مِنْ خَلْقِ اللَّهُ لَمْ أَرَ مِثْلُهُم قَطّ . فَبَكَى الْحُسَيْن . ثُمَّ إنَّ الْحَسَنَ قَالَ أستودعكم اللَّه ، وَاَللَّه خَلِيفَتِي عَلَيْكُم ، ثُمَّ إنَّهُ غَمْضَ عَيْنَيْهِ وَمَدَّ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، ثُمَّ قَضَى نَحْبَهُ وَهُو يَحْمَدْ اللَّهَ وَيَقُولَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، فَضَجّ النَّاسُ ضَجَّةً عَظِيمَةً ، وَصَار كَيَوْم مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَخَرَج أَوْلَادِه وَإِخْوَتِه يَبْكُون وينوحون ، وَأَمْثَل بَنُو هَاشِمٍ رِجَالًا وَنِسَاءً يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَيَدْعُون بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَعَظَائِم الْأُمُور .

 ثُمَّ إنَّ الْحُسَيْنَ (عليه السَّلَام ) قَامَ فِي جِهَازِ أَخِيهِ الْحَسَنُ (عليه السَّلَام ) ، وَأَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ يناولاه الْمَاء ، فَغَسَلَه ، وَحِنْطَة ، وَكَفَنِه ، كَمَا أَمَرَهُ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَشِيعَتِه . ثُمَّ إنَّ وَالِيَ الْمَدِينَةِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَتَى وَصَلَّى عَلَى الْحَسَنِ (عليه السَّلَام ) ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ . ثُمَّ إنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ إلَى قَبْرٍ رَسُولِ اللَّهِ (صلى اللَّهُ عَلَيْهِ واله) ليجددوا عَهْدًا . ثُمّ سَارُوا بِالْحُسْن (عليه السَّلَام ) إِلَى الْبَقِيعِ ، وَنَزَل الْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) الْقَبْر وَمَعَه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وألحده الحسين(عليه السَّلَام ) وَدَفْنِه وَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ بَاكِيًا حَزِينًا ، وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ :
 [ يَا قَبْرِ سَيِّدِنَا الْمِجَنّ سَمَاحَة * صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يَا قَبْر ] 
[ مَا ضَرَّ قَبْر أَنْتَ سَاكِنُهُ * أَنْ لَا يَحِلُّ بِرُبْعِه الْقَطْر ] 
وَرَجَع الْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) إلَى مَنْزِلِهِ وَجَلَسَ فِي مُعَزًّى أَخِيهِ الْحَسَنُ (عليه السَّلَام ) ، وَأَقْبَل النَّاسِ مَنْ كُلِّ جَانِبٍ وَمَكَان يعزونه ، وبكته نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَنِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ ، وَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ ، وَكَانَت أَكْبَر أَخَوَاتِهَا تَجْر ذَيْلِهَا متجللة بِطَرَف ردائها ، وَهِي تُنْشِد وَتَقُول : أَخِي حُزْنِي عَلَيْك الْيَوْمَ بَاق * وَيُومِئُ فِي الْتَحَس مِثْل أُمْسِي ] 
[ أَخِي وَاَللَّهِ لَا أَنْسَاكٌ حَتَّى * أوسد فِي الثَّرَى وَأَحَلّ رمسي ]
 [ عُدِمَت تَصْبِرِي فذعنت عَنِّي * فَأَصْبَح ثاكلا عِبْرِيٌّ وَأُمْسِي ]
 [ يُذَكِّرُنِي طُلُوعُ الشَّمْسِ صنوي * وَأَذْكُرُه بِكُلّ غُرُوبِ شَمْسِ ] 
 [ وَلَوْ لَا كَثْرَة الْبَاكِين حَوْلِي * عَلَى إخْوَانِهِم لَقَتَلْت نَفْسِي ] 
[ وَلَا يَبْكُون مِثْل أَخِي وَلَكِن * أَسَلِي النَّفْسِ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي ] 
ثُمّ أَقْبَلْت زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ (عليها السَّلَام ) وشهقت شَهْقَة كَادَت رُوحِهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا ، وَبَكَت بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا ، فَلَمَّا أَفَاقَتْ مِنْ غشوتها بَكَت وَقَالَت : [ أَخِي أَنَّ كُنْت قَدْ أَبْكَيْت عَيْنِي * فَقَد أضحكتني زَمَناً طَوِيلاً ] 
[ بكيتك فِي نِسَاءِ معولات * وَكُنْت أَحَقُّ مِنْ يُبْدِي العويلا ]
 [ دَفَعْت بِك الْخُطُوب وَأَنْتَ حَيٌّ * فَمَنْ ذَا يَدْفَع الْخُطَب الْجَلِيلَا ] 
[ إذَا قَبُحَ الْبُكَاءُ عَلَى قَتِيلِ * رَأَيْت بكاءك الْحَسَن الجميلا ] .

وَفِي رِثَاء الْحَسَنَ يَقُولُ سُلَيْمَانُ بْنُ قُبَّة وَكَان مُحِبًّا لَهُ : [ يَا كَذَّبَ اللَّهُ مِنْ نَعَى حَسَنًا * لَيْس لِتَكْذِيب نَعْيُه ثَمَن ] 
[ كُنْت خَلِيلِي وَكُنْت خَالِصَتِي * لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ أَهْلِهِ سَكَن ] 
[ أَجُول فِي الدَّارِ لَا أَرَاك وَفِي * الدَّار أُنَاسٌ جِوَارَهُم غَبْنٌ ] 
[ أبدلتهم مِنْك لَيْت أَنَّهُم * أَضْحَوْا وَبَيْنِي وَبَيْنَهُم عَدْن ] .

ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدَ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ غَائِبًا يَوْم وَفَاة أَخِيه الحسن(عليه السَّلَام ) فَقَدِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ وَفَاتِهِ ، فَسَمِع بِمَوْت أَخِيهِ الْحَسَنُ (عليه السَّلَام ) ، فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا ، ثُمَّ أَتَى لِلْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) وَهُوَ فِي الْمُعَزَّى ، فَلَمَّا رَأَى الْحُسَيْن (عليه السَّلَام ) لَمْ يَتَمالَكْ فِي الْبُكَاءِ حَتَّى غَشَّى عَلَيْه زَمَناً طَوِيلاً ، فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ غشوته قَال : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، لَئِن سَرَرْتنِي بحياتك فَقَد أحزنتني بفقدك ، فَنَعَم الْكَفَن كَفَنًا تَضَمَّن جَسَدِك ، وَنِعْم الْقَبْر قَبْرًا ضَمّ جِسْمَك ، وَكَيْفَ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَأَنْتَ ابْنُ مَأْوَى الْتَقَى ، وَخَامِس أَهْل الْعِبْء ، ابْنُ خَيْرٍ الْأَوْصِيَاء ، وَابْن سِيدَهْ النِّسَاءِ ، محلك مِنْ الشَّرَفِ وَسَطًا ، وَتَقَدَّمَت فِيه فُرُطًا ، فَلَئِن كَانَت نُفُوسًا غَيْر طَيِّبَة بِفِرَاقِك ، فَإِنَّهَا غَيْر شَاكِيَةٌ فِي الْخَيْرِ لَك ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْك يَوْمٌ تَمُوتُ وَيَوْم تَبْعَث حَيًّا . ثُمَّ بَكَى بُكَاءً شَدِيدًا وَأَنْشَأَ يَقُولُ :
 [ سأبكيك مَا دَامَتْ عُيُونِي فَإِن تَفُضّ * فَحَسْبُك مِنِّي مَا تُجِنُّ الجوانح ]
 [ لَئِن حَسُنَت فِيك الْمَرَاثِي وَوَصَفَهَا * فَقَد حَسُنَتْ مِنْ قِبَلِ فِيك المدائح ]
 [ كَانَ لَمْ يَمُتْ حَيّ سِوَاك وَلَمْ تَقُمْ * عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَيْك النَّوَائِح ]
 [ فَمَا أَنَا مِنْ رُزْءِ وَإِنْ جَلَّ جازِع * وَلَا بِسُرُور بَعْدَ مَوْتِك فارِح ]

 قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ : وَوَصَل نَعْي الْحَسَنِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْبَصْرَةِ فِي يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ ، فَقَال الْجَارُودِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ :
 [ إذَا كَانَ شَرًّا سَار يَوْمًا وَلَيْلَةً * وَإِنْ كَانَ خَيْرًا جَرَّد السَّيْر أَرْبَعًا ] 
[ إذَا مَا بُرَيْد الشَّرّ أَقْبَل نَحْوَنَا * بِإِحْدَى الدَّوَاهِي الرُّبَد سَار وأسرعا ]

 وَكَانَ أَوّلَ مَنْ نَعَى الْحَسَن (عليه السَّلَام ) بِالْبَصْرَة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، نَعَاه لِزِيَاد ، فَخَرَجَ الْحُكْمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ فنعاه ، فَبَكَى النَّاس وَأَبُو بَكْرَةَ يَوْمَئِذ مَرِيضٌ ، فَسَمِع الضَّجَّة ، فَقَال : مَا هَذَا ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ مَنْسِيَّة بِنْت سِجَام الثَّقَفِيَّة : مَاتَ الْحَسَنُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاح النَّاسُ مِنْهُ ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرَةَ : اسْكُتِي وَيْحَك فَقَد أَرَاحَهُ مِنَ شَرِّ كَثِيرٍ ، وَفَقْد النَّاسَ بِمَوْتِهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ . يَرْحَمُ اللَّهُ حَسَنًا . وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ كَانَ يَوْمُ مَوْتِ الْحَسَن (عليه السَّلَام ) بِدِمَشْق ، فَلَمَّا وَصَلَ نَعْي الْحَسَنِ إلَى دِمَشْقَ أَقْبَل مُعَاوِيَةُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : لَا يَحْزُنْكَ اللَّهُ وَلَا يُسَوَّك ، ثُمَّ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَلَام أَغْلِظْ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَة ، فَقَالَ لَهُ : يَا مُعَاوِيَةُ أَصْبَحْت سَيّدَ قَوْمِك ، فَقَال : أَمَّا وَالْحُسَيْن حَيٍّ فَلَا ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : أَنَّ أَوَّلَ ذُلٌّ دَخَلَ عَلَى الْعَرَبِ مَوْت الْحَسَن ، .

وَيَحِقّ لِي أَنْ أَتَمَثَّل بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ [ يَا حَيُّ قَوْمِي فاندبين * بِسِحْرِه شَجْو النَّوَائِح ] 
[ المعولات الخامشات * وُجُوه حُرَّاتٌ صَحَائِح ] 
[ فَكَان سَيْلُ دُمُوعِهَا * الانضاب تُخَضِّب بالذبائح ] 
[ يَبْكِين سَادَات أَمَاجِد * كَأَنَّهُم المصابح ] 
[ شَمّ بَطَارِقَة خَضار * مَه مسامح ] 
[ المشترون الْحَمْد بِالْأَمْوَال * أَنَّ الْحَمْدَ آنح ]
 [ والجامزون بلجمهم * أَبَدًا إذَا مَا صَاحَ صَائِحٌ ]
 [ ذَكَرْتنِي سِبْط الرَّسُول * وَكَان مُذ رَهَن المنافح ]
 [ عَنَّا شديدات الْأُمُور * إذَا يَنُوب لَهُنّ فَادِح ] 
[ يَا سِبْط لَا وَاَللّهِ لَا أَنَسًا * ك مَا ضَرَّ اللقائح ] 
[ لمناخ أَضْيَاف وَأَيْتَام * وأرملة تَلامَح ] 
[ وَلَمَّا يَنُوب الدَّهْرِ فِي * حَرْب لِحَرْب فَهُو لافِح ] 
[ أَن يجنحن إلَى الْعَزَا قَلْب * فَقَلْبِي غَيْر جانِح ] 
[ فلابكينك دَائِمًا * حَتَّى أوسد فِي الصَّفَائِح ]
 [ أَنَّ الْبُكَاءَ هُو الشَّفَا * مِنْ الْجَوَى بَيْن الجوانح ] 

 وَكَانَتْ وَفَاةُ الْحَسَن (عليه السَّلَام ) فِي شَهْرِ صَفَرِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْه ، وَقِيل لِلَيَال خَلَتْ مِنْهُ ، سَنَةَ خَمْسِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ . وَقَال الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الدُّرُوسِ : قَبَض الْحَسَن عَام الْخَمِيس سَابِع شَهْرِ صَفَرِ . وَمُثْلَةً قَالَ الكفعمي رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي زَمَانِنَا هَذَا وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ . وَفِي رِوَايَةٍ الْمَدَائِنِيّ أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِلَيَال خَلَتْ مِنْهُ .

 وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمٌ مَاتَ سَبُعٌ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَشْهَر ، أَقَام مِنْهَا مَعَ جَدّهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى اللَّهُ عَلَيْهِ واله) سَبْعِ سِنِينَ ، أَوْ ثَمَانٍ سِنِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَقَام بِالْأَمْر بَعْدَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السَّلَام ) وَلَهُ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً . وَأَقَامَ فِي خِلَافَتِهِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَصَالِح مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ ، وَإِنَّمَا صَالَحَه وهاونه خِيفَة عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَشِيعَتِه ، لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رُؤَسَاءِ الصَّحَابَة كاتبوا مُعَاوِيَة وَضَمِنُوا لَه تَسْلِيم الْحَسَن (عليه السَّلَام ) ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَأْمَنُ غائلته ، إِلا فِرْقَةً قَلِيلَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَشِيعَتِه ، لَا تَقُومُ بِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ . وَبَعَثَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فِي الصُّلْحِ وَصَالَحَهُ عَلَى شُرُوطِ كَثِيرَةٍ مِنْهَا : أَنْ يَتْرُكَ السَّبّ عَنْ عَلِيٍّ (عليه السَّلَام ) ، وَإِن يُؤْمِن شِيعَتِه وَلَا يَتَعَرَّضُ لِأَحَد ، فَأَجَابَه مُعَاوِيَةُ إلَى ذَلِكَ وَكَتَبَ كِتَابِ الصُّلْحِ . ثُمَّ خَرَجَ الْحَسَنِ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَامَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ ، حَتَّى دُسّ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ سَمَا عَلَى يَدِ زَوْجَتِهِ جَعْدَةُ بِنْتُ الْأَشْعَثِ ، فَانْتَقَلَ إلَى رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى ، فَوَفَّى مُعَاوِيَة لَهَا بِالْمَالِ الَّذِي ضَمِنَهُ لَهَا وَهُوَ مِائَةٌ أَلْفٍ دِرْهَمٍ ، وَطَلَبَتْ مِنْهُ أَنَّ يُزَوِّجَهَا مِنْ يَزِيدُ فَأَبَى ، وَقَال : أَخَافُ أَنْ تَفْعَلِي بِابْنِي كَمَا فَعَلْتُ بِالْحُسْن ، فَخَلَف عَلَيْهَا بَعْدَ الْحَسَنِ رَجُلٌ مِنْ آلِ طَلْحَةَ فَأَوْلَدَهَا ، وَكَانَ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بُطُونِ قُرَيْشٍ كَلَام عيروه وَقَالُوا لَهُ : يَا ابْنَ مسمة الْأَزْوَاج ، وَابْتَلَاهَا اللَّه بِجُنُون وَنَقَص فِي عَقْلِهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ لَا رَحِمَهَا اللَّهُ . وفيات الْأَئِمَّة الْمُؤَلِّف : مِنْ عُلَمَاءِ الْبَحْرَيْن والقطيف : ص 117-124 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لحم البقر بالسلق ، ومرق لحم البقر

    لحم البقر بالسلق *  ومرق لحم البقر *  السلق : نبت له ورق طوال ، وورقه يؤكل ( لسان العرب ج 10 ص 162 ).  1 -  عن محمّد بن قيس ، عن أبي ج...