الخميس، 8 أغسطس 2024

خطبة زينب عليها السلام في مجلس يزيد

 خُطبَةُ زَينَبَ عليها السلام في مَجلِسِ يَزيدَ

الملهوف :
قامَت زَينَبُ ابنَةُ عَلِيٍّ عليهما السلام وقالَت : الحَمدُ للَّهِ‌ِ رَبِّ العالَمينَ ، وصَلَّى اللَّهُ عَلى‌ مُحَمَّدٍ وآلِهِ أجمَعينَ ، صَدَقَ اللَّهُ كَذلِكَ يَقولُ : «ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُاْ السُّوأَى‌ أَن كَذَّبُواْ بَِآيَاتِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ » .[2] أظَنَنتَ يا يَزيدُ ، حَيثُ أخَذتَ عَلَينا أقطارَ الأَرضِ وآفاقَ السَّماءِ فَأَصبَحنا نُساقُ كَما تُساقُ الإِماءُ ، أنَّ بِنا عَلَى اللَّهِ هَواناً وبِكَ عَلَيهِ كَرامَةً ! وأنَّ ذلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عِندَهُ ! فَشَمَختَ بِأَنفِكَ ونَظَرتَ في عِطفِكَ‌[3] جَذَلاً مَسروراً ، حينَ رَأَيتَ الدُّنيا لَكَ مُستَوسِقَةً[4] ، وَالاُمورَ مُتَّسِقَةً ، وحينَ صَفا لَكَ مُلكُنا وسُلطانُنا . فَمَهلاً مَهلاً ، أنَسيتَ قَولَ اللَّهِ تَعالى‌ : «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِاَّنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ »[5] ؟ أمِنَ العَدلِ - يَابنَ الطُّلَقاءِ - تَخديرُكَ إماءَكَ ونِساءَكَ وسَوقُكَ بَناتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله سَبايا ، قَد هَتَكتَ سُتورَهُنَّ وأبدَيتَ وُجوهَهُنَّ ، تَحدوا بِهِنَّ الأَعداءُ مِن بَلَدٍ إلى‌ بَلَدٍ ، ويَستَشرِفُهُنَّ أهلُ المَنازِلِ وَالمَناهِلِ ، ويَتَصَفَّحُ وُجوهَهُنَّ القَريبُ وَالبَعيدُ ، وَالدَّنِيُّ وَالشَّريفُ ، لَيسَ مَعَهُنَّ مِن رِجالِهِنَّ وَلِيٌّ ، ولا مِن حُماتِهِنَّ حَمِيٌّ ؟! وكَيفَ تُرتَجى‌ مُراقَبَةُ مَن لَفَظَ فوهُ أكبادَ الأَزكِياءِ ، ونَبَتَ لَحمُهُ بِدِماءِ الشُّهَداءِ ؟

[2] الروم 30: 10 .
[3] عِطفا الرجل : جانباه من لدن رأسه إلى وركيه (الصحاح : ج 4 ص 1405 «عطف») .
[4] استوسق عليه الأمر : أي اجتمعوا على طاعته ، واستقرّ المُلك فيه (النهاية : ج 5 ص 185 «وسق») .
[5] آل عمران 3: 178 .

مُنتَحِياً عَلى‌ ثَنايا أبي عَبدِ اللَّهِ عليه السلام سَيِّدِ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ تَنكُتُها بِمِخصَرَتِكَ ، وكَيفَ لا تَقولُ ذلِكَ ، وقَد نَكَأتَ‌[1] القُرحَةَ وَاستَأصَلتَ الشّأفَةَ[2] بِإِراقَتِكَ دِماءَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ونُجومِ الأَرضِ مِن آلِ عَبدِ المُطَّلِبِ ؟ وتَهتِفُ بِأَشياخِكَ ، وزَعَمتَ أنَّكَ تُناديهِم ! فَلَتَرِدَنَّ وَشيكاً مَورِدَهُم ، ولَتَوَدَّنَّ أنَّكَ شَلَلتَ وبَكِمتَ‌[3] ، ولَم تَكُن قُلتَ ما قُلتَ ، وفَعَلتَ ما فَعَلتَ . اللَّهُمَّ خُذ بِحَقِّنا ، وَانتَقِم مِمَّن ظَلَمَنا ، وأحلِل غَضَبَكَ بِمَن سَفَكَ دِماءَنا وقَتَلَ حُماتَنا . فَوَاللَّهِ ما فَرَيتَ إلّا جِلدَكَ ، ولا حَزَزتَ إلّا لَحمَكَ ، ولَتَرِدَنَّ عَلى‌ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِما تَحَمَّلتَ مِن سَفكِ دِماءِ ذُرِّيَّتِهِ ، وَانتَهَكتَ مِن حُرمَتِهِ في عِترَتِهِ ولُحمَتِهِ ، وحَيثُ يَجمَعُ اللَّهُ شَملَهُم ، ويَلُمَّ شَعَثَهُم ، ويَأخُذُ بِحَقِّهِم «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَ تَا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » .[4] وحَسبُكَ بِاللَّهِ حاكِماً ، وبِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله خَصيماً وبِجَبرَئيلَ ظَهيراً ، وسَيَعلَمُ مَن سَوَّلَ لَكَ ومَكَّنَكَ مِن رِقابِ المُسلِمينَ ، بِئسَ لِلظّالِمينَ بَدلاً ، وأيُّكُم شَرٌّ مَكاناً وأضعَفُ جُنداً . ولَئِن جَرَت عَلَيَّ الدَّواهي مُخاطَبَتَكَ ، إنّي لَأَستَصغِرُ قَدرَكَ ، وأستَعظِمُ تَقريعَكَ ، وأستَكثِرُ تَوبيخَكَ ، لكِنَّ العُيونَ عَبرى‌ وَالصُّدورَ حَرّى‌ . ألا فَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِقَتلِ حِزبِ اللَّهِ النُّجَباءِ بِحِزبِ الشَّيطانِ الطُّلَقاءِ ، فَهذِهِ الأَيدي تَنضَحُ مِن دِمائِنا ، وَالأَفواهُ تَتَحَلَّبُ مِن لُحومِنا ، وتِلكَ الجُثَثُ الطَّواهِرُ الزَّواكي تَتَناهَبُهَا العَواسِلُ‌[5] ،

[1] الشنف : البغض والتنكّر (الصحاح : ج 4 ص 1383 «شنف») .
[2] الإحنَةُ : الحِقد وجمعها : الإحَنُ (النهاية : ج 1 ص 27 «أحن») .
[1] نكأت القرحة : إذا قشرتها (الصحاح : ج 1 ص 78 «نكأ») .
[2] الشأفة : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب (الصحاح : ج 4 ص 1379 «شأف») .
[3] البُكمُ : جمع أبكَم، وهو الذي خُلق أخرس لا يتكلّم (النهاية : ج 1 ص 150 «بكم») .
[4] آل عمران 3: 169 .
[5] العَاسِلُ : الذئب ، والجمع العُسَّلُ والعَواسِلُ (الصحاح : ج 5 ص 1765 «عسل») .

وتَعفوها أُمَّهاتُ الفَراعِلِ .[1] ولَئِنِ اتَّخَذتَنا مَغنَماً لَتَجِدُنا وَشيكاً مَغرَماً ، حينَ لا تَجِدُ إلّا ما قَدَّمَت يَداكَ ، «وما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ» ،[2] فَإِلَى اللَّهِ المُشتَكى‌ وعَلَيهِ المُعَوَّلُ . فَكِد كَيدَكَ وَاسعَ سَعيَكَ وناصِب جَهدَكَ ، فَوَاللَّهِ لا تَمحُوَنَّ ذِكرَنا ، ولا تُميتُ وَحيَنا ، ولا تُدرِكَ أمَدَنا ، ولا تَرحَضُ‌[3] عَنكَ عارَها ، وهَل رَأيُكَ إلّا فَنَدٌ ،[4] وأيّامُكَ إلّا عَدَدٌ ، وجَمعُكَ إلّا بَدَدٌ[5] ، يَومَ يُنادِي المُنادِ : «ألا لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الظّالِمينَ »[6] . فَالحَمدُ للَّهِ‌ِ الَّذي خَتَمَ لِأَوَّلِنا بِالسَّعادَةِ وَالمَغفِرَةِ ، ولِآخِرِنا بِالشَّهادَةِ وَالرَّحمَةِ ، ونَسأَلُ اللَّهَ أن يُكمِلَ لَهُمُ الثَّوابَ ويوجِبَ لَهُمُ المَزيدَ ، ويُحسِنَ عَلَينَا الخِلافَةَ إنَّهُ رَحيمٌ وَدودٌ ، «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» .[7] فَقالَ يَزيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ : يا صَيحَةً تُحمَدُ مِن صَوائِحِ‌ما أهوَنَ المَوتَ عَلَى النَّوائِحِ‌.الملهوف : ص 215 .

[1] الفَرعَلُ : وَلَدُ الضبع (الصحاح : ج 5 ص 1790 «فرعل») .
[2] فصّلت 41: 46 .
[3] الرّحْضُ : الغَسلُ (النهاية : ج 2 ص 208 «رحض») .
[4] الفَنَدُ : الكذب، والفَنَدُ : ضعف الرأي (الصحاح : ج 2 ص 520 «فند») .
[5] بَدَدَاً : أي متفرّقين (النهاية : ج 1 ص 105 «بدد») .
[6] هود 11: 18 .
[7] آل عمران 3: 173 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسالة الإمام الجواد إلى السالكين لطريق الحق

  مواعظ أبى جعفر محمد بن على الجواد صلوات الله عليه عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ،عن عمه حمزة بن بزيع قال : كتب  أبوجعفر عليه‌السلام  إلي  سعد...