مكارم أخلاق وعبادة علي بن الحسين عليه السلام
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليهالسلام قَال : كَانَ عَلِيٌّ ابْنُ الْحُسَيْنِ عليهالسلام يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أميرالمؤمنين عليهالسلام كَانَتْ لَهُ خَمْسُمِائَةِ نَخْلَة ، فَكَانَ يُصَلِّي عِنْدَ كُلِّ نَخْلَةٍ رَكْعَتَيْن ، وَكَانَ إذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ غُشِي لَوْنُهُ لَوْنَ آخَرُ ، وَكَانَ قِيَامُهُ فِي صَلَاتِهِ قِيَامُ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ ، كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ تَرْتَعِد مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عزوجل ، وَكَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ مُوَدِّعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَلَقَد صَلَّى ذَاتَ يَوْمٍ فَسَقَط الرِّدَاءُ عَنْ أَحَدٍ مَنْكِبَيْه فَلَم يسوه حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ، فَسَأَلَه بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَال : وَيْحَك أَتَدْرِي بَيْنَ يَدَيْ مِنْ كُنْتُ ؟ أَنَّ الْعَبْدَ لاَتَقْبَل مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَلْبِه ، فَقَالَ الرَّجُلُ : هَلَكْنَا ، فَقَال : كَلًّا إنَّ اللَّهَ عزوجل مُتَمِّمٌ ذَلِك بِالنَّوَافِل .
وَيُحْكَم أغيرالله تُسْأَلُون فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ أَنَّهُ ليرجى فِي هَذَا الْيَوْمِ لِمَا فِي بُطُونِ الْحَبَالَى أَنْ يَكُونَ سَعِيدًا وَلَقَدْ كَانَ عليهالسلام يَأْبَى أَنْ يواكل أُمِّه ، فَقِيلَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَنْتَ أَبَّرَ النَّاسِ وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ فَكَيْف لاتواكل أُمُّك ؟ فَقَال : إنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَسْبِقَ يَدَيَّ إلَى مَا سَبَقَتْ عَيْنِهَا إلَيْهِ ، وَلَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ حُبّاً شَدِيداً ، فَقَال : اللَّهُمَّ إنِّي أعوذبك إنْ أَحَبَّ فِيك وَأَنْت لِي مُبْغِض ، وَلَقَد حَجَّ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ عِشْرِينَ حِجّةً فماقرعها بِسَوْط ، فَلَمَّا نَفَقَت (1) أَمَر بِدَفْنِهَا لِئَلَّا يَأْكُلَهَا السِّبَاع ، وَلَقَد سُئِلَتْ عَنْهُ مَوْلَاهُ لَهُ فَقَالَتْ : أَطْنَب وَاخْتُصِر ؟ فَقِيلَ لَهَا : بَل اختصري ، فَقَالَت : مَا أَتَيْتُه بِطَعَام نَهَارًا قَطّ ، وَمَا فُرِشَت لَه فِرَاشًا بِلَيْل قَطّ ، وَلَقَد انْتَهَى ذَاتَ يَوْمٍ إلَى قَوْمٍ يغتابونه فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَغَفَرَ اللَّهُ لِي ، وَإِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِين فغفرالله لَكُم .
وَكَان عليهالسلام إذَا جَاءَهُ طَالِبِ عِلْمٍ فَقَالَ : مَرْحَبًا بِوَصِيَّة رَسُولُ اللَّهِ صلىاللهعليهوآله ، ثُمَّ يَقُولُ : إنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَمْ يَضَعْ رِجْلَيْهِ عَلَى رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا سَبَّحَت لَهُ إلَى الْأَرَضِين السَّابِعَة ، وَلَقَدْ كَانَ يُعَوَّل مِائَةِ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمَدِينَة ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَحْضُرَ طَعَامِه الْيَتَامَى والاضراء وَالزَّمْنَى وَالْمَسَاكِينُ الَّذِينَ لاحيلة لَهُم ، وَكَان يناولهم بِيَدِه ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ عِيَالٌ حَمْلَ لَهُ إلَى عِيَالِهِ مِنْ طَعَامِهِ ، وَكَان لايأكل طَعَامًا حَتّى يَبْدَأَ فَيَتَصَدَّق بِمِثْلِه ، وَلَقَدْ كَانَ تَسْقُطَ مِنْهُ كُلَّ سَنَةٍ سَبْعٍ ثَفِنَات مِنْ مَوَاضِعِ سُجُودِه لِكَثْرَة صَلَاتُهُ وَكَانَ يَجْمَعُهَا فَلَمَّا مَاتَ دُفِنَت مَعَه ، وَلَقَد بَكَى عَلَى أَبِيهِ الْحُسَيْن عليهالسلام عِشْرِينَ سَنَةً وَمَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلا بَكَى حَتَّى قَالَ لَهُ مُوَالًى لَه : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا أَنْ لِحُزْنِك أَنْ يَنْقَضِيَ ؟ فَقَالَ لَهُ : وَيْحَك إنْ يَعْقُوبَ النَّبِيّ عليهالسلام كَانَ لَهُ أَثْنَى عَشَر ابْنَا فَغَيَّب اللَّهُ عَنْهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَابْيَضَّت عَيْنَاهُ مِنَ كَثْرَةِ بُكائِهِ عَلَيْه ، وَشَابٌّ رَأْسَهُ مِنْ الْحُزْنِ واحدودب ظَهْرَهُ مِنْ الْغَمِّ ، وَكَانَ ابْنُهُ حَيًّا فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا نَظَرْت إلَى أَبِي وَأَخِي وَعَمِّي وَسَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَقْتُولَيْن حَوْلِي فَكَيْف يَنْقَضِي حُزْنِي ! .
الخصال ج 2 ص 100 في ذكر ثلاث وعشرين خصلة من الخصال المحمودة التى وصف بها على بن الحسين عليهالسلام.
(1) نفقت الدابة ماتت « القاموس ».
توضيح المطرف بضم الميم وفتح الراء رداء من خز مربع ذو أعلام ، وقوله عليهالسلام : وإنه ليرجى أي هذا يوم فاضت رحمة الله على العباد بحيث يرجى للجنين في الرحم أن يكتب ببركة هذا اليوم سعيدا مع أنه لا يقدر على عمل ولا سؤال يستجلب بهما الرحمة ، ومع ذلك ترجى له هذا الرحمة العظيمة ، فكيف ينبغي أن يسأل من يقدر على السؤال والعمل مثل هذا المطلب الخسيس الدنيوي من غيره تعالى ، وقوله : مرحبا بوصية رسول الله صلىاللهعليهوآله أي بمن أوصى به وبرعايته ويمكن الجمع بينه وبين مامر من عدد الثفنات ، بأن السبع كانت تسقط بنفسها والعشرة كان يقطعها عليهالسلام ، أو أنه قد كان هكذا وقد كان كذلك ، أو لم يحسب القطع الصغار في هذا الخبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق