الأحد، 7 أغسطس 2022

وقائع ليلة عاشوراء، خطبته (عليه السلام)

 وقائع ليلة عاشوراء خطبته (عليه السلام)

في ترخيص أصحابه وأهل بيته!
 قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي، عن الضحاك بن عبد الله المشرقي بطن من همدان - أن الحسين بن علي (عليه السلام) جمع أصحابه قال أبو مخنف: وحدثني الحارث بن حصيرة، عن عبد الله بن شريك العامري، عن علي بن الحسين، قالا:
جمع الحسين (عليه السلام) أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، قال علي بن الحسين (عليهما السلام): فدنوت منه لأسمع وأنا مريض، فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين.
أما بعد، فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا، ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، ألا وإني قد رأيت لكم، فانطلقوا جميعا في حل،
ليس عليكم مني ذمام، هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملا. تأريخ الطبري 3: 315.

الصدوق:
فقام الحسين (عليه السلام) في أصحابه خطيبا فقال: أللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابا هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون وأنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده فإن القوم إنما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري. الأمالي: 133.

عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام):
كنت مع أبي الليلة التي قتل صبيحتها، فقال لأصحابه: هذا الليل فاتخذوه جملا، فإن القوم إنما يريدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حل وسعة.
فقالوا: لا، والله! لا يكون هذا أبدا.
قال: إنكم تقتلون غدا كذلك، لا يفلت منكم رجل.
قالوا: الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك.
ثم دعا، وقال لهم: إرفعوا رؤوسكم وانظروا.
فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة، وهو يقول لهم:
هذا منزلك يا فلان! وهذا قصرك يا فلان! وهذه درجتك يا فلان! فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة. الخرائج والجرائح 2: 847 ح 62.

روي عن زين العابدين (عليه السلام) أنه قال:
لما كانت الليلة التي قتل فيها الحسين (عليه السلام) في صبيحتها قام في أصحابه، فقال (عليه السلام):
إن هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حل فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم.
فقالوا: لا نخذلك، ولا نختار العيش بعدك.
فقال (عليه السلام): إنكم تقتلون كلكم حتى لا يفلت منكم واحد. فكان كما قال (عليه السلام).العوالم 17: 344.

الإمام العسكري (عليه السلام): في قوله عزوجل: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ). (1)
 قال (عليه السلام): ولما امتحن الحسين (عليه السلام)، ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه قال لعسكره: أنتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم. وقال لأهل بيته: قد جعلتكم في حل من مفارقتي، فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري فدعوني والقوم. فإن الله عز وجل يعينني ولا يخليني من حسن نظره كعادته في أسلافنا الطيبين.
فأما عسكره ففارقوه، وأما أهله والأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا: لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك.
فقال لهم: فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وأن الله وإن كان خصني - مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا - من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال الكريهات [المكروهات]، فإن لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى، واعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقي من شقي فيها، أو لا أحدثكم بأول أمرنا وأمركم معاشر أوليائنا ومحبينا والمعتصمين المتعصبين لنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له مقرون؟
قالوا: بلى، يا ابن رسول الله!
قال: إن الله تعالى لما خلق آدم وسواه وعلمه أسماء كل شيء وعرضهم على الملائكة جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أشباحا خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش، فأمر الله الملائكة بالسجود لآدم تعظيما له، أنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها الآفاق، فسجدوا إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله، وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت وقد تواضعت لها الملائكة كلها واستكبر وترفع وكان بإبائه ذلك وتكبره من الكافرين. التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 217.
(1) - البقرة: 2 / 34.

عن سكينة بنت الحسين، أنها قالت:
كنت جالسة في ليلة مقمرة وسط الخيمة، وإذا أنا أسمع من خلفها بكاء وعويلا، فخشيت أن يفقه بي النساء، فخرجت أعثر بأذيالي وإذا بأبي (عليه السلام) جالس، وحوله أصحابه وهو يبكي وسمعته يقول لهم:
إعلموا، أنكم خرجتم معي لعلمكم أني أقدم على قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر لأنهم استحوذ عليهم الشيطان فأنسيهم ذكر الله، والآن ليس لهم مقصد إلا قتلي وقتل من يجاهد بين يدي، وسبي حريمي بعد سلبهم، وأخشى أن تكونوا ما تعلمون وتستحيون. والخدع عندنا أهل البيت محرم، فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فالليل ستير والسبيل غير خطير والوقت ليس بهجير، ومن واسانا بنفسه كان معنا غدا في الجنان نجيا من غضب الرحمن، وقد قال جدي محمد (صلى الله عليه وآله): ولدي الحسين يقتل بأرض كربلاء غريبا وحيدا عطشانا فريدا، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيمة.
قالت سكينة: فوالله! ما أتم كلامه إلا وتفرق القوم من عشرة وعشرين، فلم يبق معه إلا واحد وسبعون رجلا فنظرت إلى أبي منكسا رأسه فخنقتني العبرة، فخشيت أن يسمعني ورفعت طرفي إلى السماء وقلت: أللهم إنهم خذلونا، فاخذلهم ولا تجعل لهم دعاء مسموعا، وسلط عليهم الفقر، ولا ترزقهم شفاعة جدي يوم القيامة، ورجعت ودموعي تجري على خدي، فرأتني عمتي أم كلثوم فقالت: ما دهاك يا بنتاه! فأخبرتها الخبر فصاحت: وا جداه! وا علياه! وا حسناه! وا حسيناه!

واقلة ناصراه! أين الخلاص من الأعداء؟ ليتهم يقنعون بالفداء! تركت جوار جدك وسلكت بنا بعد المدى! فعلا منا البكاء والنحيب، فسمع أبي ذلك فأتى إلينا يعثر في أذياله ودموعه تجري وقال: ما هذا البكاء؟
فقالت: يا أخي! ردنا إلى حرم جدنا.
فقال (عليه السلام): يا أختاه! ليس لي إلى ذلك سبيل.
قالت: أجل، ذكرهم محل جدك وأبيك وأمك وأخيك.
قال: ذكرتهم فلم يذكروا ووعظتهم فلم يتعظوا ولم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيل ولا بد أن تروني على الثرى جديلا، ولكن أوصيكن بتقوى الله رب البرية، والصبر على البلية، وكظم نزول الرزية، وبهذا وعد جدكم، ولا خلف لما أوعد ودعتكم إلهي الفرد الصمد.
ثم تباكينا ساعة والإمام (عليه السلام) يقول:وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (1)) (1)البقرة: 2 / 57.
أسرار الشهادة: 268.

موقف الأصحاب وأهل بيته  
المفيد:
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟ ألنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا!
وبدأهم بهذا القول العباس بن علي (عليهما السلام)، واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه.
فقال الحسين (عليه السلام): يا بني عقيل! حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم.
قالوا: سبحان الله! فما يقول الناس؟ يقولون: إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل! ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك! فقبح الله العيش بعدك!
وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلي عنك، وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك! أما والله! حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة.
والله! لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله! لو قد علمت أني أقتل، ثم أحيى، ثم أحرق، ثم أحيى، ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.
وتكلم زهير بن القين وجماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا.الإرشاد: 231.

المفيد: 
فقام [الحسين (عليه السلام)] الليل كله يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرع، وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون، قال الضحاك بن عبد الله، ومر بنا خيل لابن سعد تحرسنا وإن الحسين (عليه السلام) ليقرأ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ  مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗآل عمران: 3 / 178 و 179.
الإرشاد: 232.

علاج سيفه وكلامه (عليه السلام) مع أخته 
 قال أبو مخنف: حدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك، عن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال:
إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها، وعمتي زينب عندي تمرضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له، وعنده حوي مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الأمر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل فأعادها مرتين، أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي ولزمت السكوت، فعلمت أن البلاء قد نزل.
فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت - وهي امرأة، وفي النساء الرقة والجزع - فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها - وإنها لحاسرة - حتى انتهت إليه، فقالت:
واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي!
فنظر إليها الحسين (عليه السلام) فقال: يا أخية! لا يذهبن بحلمك الشيطان.
قالت: بأبي أنت وأمي، يا أبا عبد الله! أستقتلت؟ نفسي فداك.
فرد غصته وترقرقت عيناه وقال:
لو ترك القطا ليلا لنام!
قالت: يا ويلتي! أفتغصب نفسك اغتصابا؟! فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي! ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشيا عليها!
فقام إليها الحسين (عليه السلام)، فصب على وجهها الماء وقال لها:
يا أخية! اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة.
فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها:يا أخية! إني أقسم عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت. ثم جاء بها حتى أجلسها عندي.تأريخ الطبري 3: 316.

السيد ابن طاووس:
فعزى الحسين أم كلثوم، وقال لها: يا أختاه! تعزي بعزاء الله فإن سكان السموات يفنون وأهل الأرض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون.
ثم قال: يا أختاه، يا أم كلثوم! وأنت يا زينب! وأنت يا فاطمة! وأنت يا رباب! إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا. اللهوف:35.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تأكّد استحباب الأَذان والإِقامة لصلاة الجماعة

  تأكّد استحباب الأَذان والإِقامة لصلاة الجماعة  1 -  عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته : أيجزىء أذان واحد ؟ قال : إن ص...