الجمعة، 31 مايو 2024

رسالة أبي جعفر محمد الجواد عليه السلام إلى سعد الخير

 رِسَالَةُ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام إِلَى سَعْدٍ الْخَيْرِ(1)

(1) في هامش غير واحد من النسخ:« و هو سعد بن عبد الملك الاموى صاحب نهر السعيد بالرحبة» و كانه من المؤلّف- رحمه اللّه- كما يظهر من بعض النسخ حيث جعلها في المتن قبل ذكر الرسالة.

عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلَى سَعْدٍ الْخَيْرِ :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ فِيهَا السَّلَامَةَ مِنَ التَّلَفِ وَ الْغَنِيمَةَ فِي الْمُنْقَلَبِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقِي بِالتَّقْوَى عَنِ الْعَبْدِ مَا عَزَبَ عَنْهُ عَقْلُهُ‌ وَ يُجْلِي بِالتَّقْوَى عَنْهُ عَمَاهُ وَ جَهْلَهُ وَ بِالتَّقْوَى نَجَا نُوحٌ وَ مَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ وَ صَالِحٌ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّاعِقَةِ وَ بِالتَّقْوَى فَازَ الصَّابِرُونَ وَ نَجَتْ تِلْكَ الْعُصَبُ‌ مِنَ الْمَهَالِكِ وَ لَهُمْ إِخْوَانٌ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ يَلْتَمِسُونَ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ نَبَذُوا طُغْيَانَهُمْ مِنَ الْإِيرَادِ بِالشَّهَوَاتِ لِمَا بَلَغَهُمْ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْمَثُلَاتِ حَمِدُوا رَبَّهُمْ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ وَ هُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ وَ ذَمُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا وَ هُمْ أَهْلُ الذَّمِّ وَ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الْحَلِيمَ الْعَلِيمَ إِنَّمَا غَضَبُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رِضَاهُ وَ إِنَّمَا يَمْنَعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ عَطَاهُ وَ إِنَّمَايُضِلُّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ هُدَاهُ ثُمَّ أَمْكَنَ أَهْلَ السَّيِّئَاتِ مِنَ التَّوْبَةِ بِتَبْدِيلِ الْحَسَنَاتِ دَعَا عِبَادَهُ فِي الْكِتَابِ إِلَى ذَلِكَ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ لَمْ يَنْقَطِعْ وَ لَمْ يَمْنَعْ دُعَاءَ عِبَادِهِ- فَلَعَنَ اللَّهُ‌ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ‌ وَ كَتَبَ عَلى‌ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فَسَبَقَتْ قَبْلَ الْغَضَبِ فَتَمَّتْ‌ صِدْقاً وَ عَدْلًا فَلَيْسَ يَبْتَدِئُ الْعِبَادَ بِالْغَضَبِ قَبْلَ أَنْ يُغْضِبُوهُ وَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ وَ عِلْمِ التَّقْوَى وَ كُلُّ أُمَّةٍ قَدْ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِلْمَ الْكِتَابِ حِينَ نَبَذُوهُ وَ وَلَّاهُمْ عَدُوَّهُمْ حِينَ تَوَلَّوْهُ وَ كَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ أَقَامُوا حُرُوفَهُ وَ حَرَّفُوا حُدُودَهُ فَهُمْ يَرْوُونَهُ وَ لَا يَرْعَوْنَهُ وَ الْجُهَّالُ يُعْجِبُهُمْ حِفْظُهُمْ لِلرِّوَايَةِ وَ الْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُهُمْ لِلرِّعَايَةِ وَ كَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ وَلَّوْهُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‌ فَأَوْرَدُوهُمُ الْهَوَى وَ أَصْدَرُوهُمْ إِلَى الرَّدَى وَ غَيَّرُوا عُرَى الدِّينِ ثُمَّ وَرَّثُوهُ فِي السَّفَهِ وَ الصِّبَا فَالْأُمَّةُ يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِ النَّاسِ بَعْدَ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ عَلَيْهِ يُرَدُّونَ فَ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ‌ بَدَلًا وَلَايَةُ النَّاسِ بَعْدَ وَلَايَةِ اللَّهِ‌ وَ ثَوَابُ النَّاسِ بَعْدَ ثَوَابِ اللَّهِ وَ رِضَا النَّاسِ بَعْدَ رِضَا اللَّهِ فَأَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ كَذَلِكَ وَ فِيهِمُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ عَلَى تِلْكَ الضَّلَالَةِ مُعْجَبُونَ مَفْتُونُونَ فَعِبَادَتُهُمْ فِتْنَةٌ لَهُمْ وَ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِمْ وَ قَدْ كَانَ فِي الرُّسُلِ‌ ذِكْرى‌ لِلْعابِدِينَ‌ إِنَّ نَبِيّاً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ يَسْتَكْمِلُ الطَّاعَةَ ثُمَّ يَعْصِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي الْبَابِ الْوَاحِدِ فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَ يُنْبَذُ بِهِ فِي بَطْنِ‌الْحُوتِ ثُمَّ لَا يُنَجِّيهِ إِلَّا الِاعْتِرَافُ وَ التَّوْبَةُ فَاعْرِفْ أَشْبَاهَ الْأَحْبَارِ وَ الرُّهْبَانِ الَّذِينَ سَارُوا بِكِتْمَانِ الْكِتَابِ وَ تَحْرِيفِهِ‌ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ‌ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ‌ ثُمَّ اعْرِفْ أَشْبَاهَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ أَقَامُوا حُرُوفَ الْكِتَابِ وَ حَرَّفُوا حُدُودَهُ‌ فَهُمْ مَعَ السَّادَةِ وَ الْكُبُرَّةِ[الكثرة]- فَإِذَا تَفَرَّقَتْ قَادَةُ الْأَهْوَاءِ- كَانُوا مَعَ أَكْثَرِهِمْ دُنْيَا وَ ذلِكَ‌ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‌- لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ فِي طَبَعٍ وَ طَمَعٍ لَا يَزَالُ يُسْمَعُ صَوْتُ إِبْلِيسَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِبَاطِلٍ كَثِيرٍ يَصْبِرُ مِنْهُمُ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَذَى وَ التَّعْنِيفِ وَ يَعِيبُونَ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّكْلِيفِ‌ وَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنْفُسِهِمْ خَانَةٌ إِنْ كَتَمُوا النَّصِيحَةَ إِنْ رَأَوْا تَائِهاً ضَالًّا لَا يَهْدُونَهُ أَوْ مَيِّتاً لَا يُحْيُونَهُ فَبِئْسَ مَا يَصْنَعُونَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ بِمَا أُمِرُوا بِهِ وَ أَنْ يَنْهَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ وَ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‌ وَ لَا يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‌ فَالْعُلَمَاءُ مِنَ الْجُهَّالِ فِي جَهْدٍ وَ جِهَادٍ إِنْ وَعَظَتْ قَالُوا طَغَتْ- وَ إِنْ عَلَّمُوا الْحَقَ‌ الَّذِي تَرَكُوا قَالُوا خَالَفَتْ وَ إِنِ اعْتَزَلُوهُمْ قَالُوا فَارَقَتْ وَ إِنْ قَالُوا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى مَا تُحَدِّثُونَ قَالُوا نَافَقَتْ وَ إِنْ أَطَاعُوهُمْ قَالُوا عَصَيتِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَهَلَكَ جُهَّالٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أُمِّيُّونَ فِيمَا يَتْلُونَ يُصَدِّقُونَ بِالْكِتَابِ عِنْدَ التَّعْرِيفِ‌ وَ يُكَذِّبُونَ بِهِ عِنْدَ التَّحْرِيفِ فَلَا يُنْكِرُونَ أُولَئِكَ أَشْبَاهُ الْأَحْبَارِ وَ الرُّهْبَانِ قَادَةٌ فِي الْهَوَى سَادَةٌ فِي الرَّدَى وَ آخَرُونَ مِنْهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ الضَّلَالَةِ وَ الْهُدَى لَا يَعْرِفُونَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى يَقُولُونَ مَا كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ هَذَا وَ لَا يَدْرُونَ مَا هُوَ وَ صَدَّقُوا تَرْكَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ‌ صلى الله عليه واله عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا مِنْ نَهَارِهَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ بِدْعَةٌ وَ لَمْ يُبَدَّلْ فِيهِمْ سُنَّةٌ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ وَ لَا اخْتِلَافَ فَلَمَّا غَشِيَ النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطَايَاهُمْ صَارُوا إِمَامَيْنِ دَاعٍ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ دَاعٍ إِلَى النَّارِ فَعِنْدَ ذَلِكَ نَطَقَ الشَّيْطَانُ فَعَلَا صَوْتُهُ عَلَى لِسَانِ أَوْلِيَائِهِ وَ كَثُرَ خَيْلُهُ وَ رَجْلُهُ‌ وَ شَارَكَ فِي الْمَالِ وَ الْوَلَدِ مَنْ أَشْرَكَهُ فَعُمِلَ بِالْبِدْعَةِ وَ تُرِكَ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ وَ نَطَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ بِالْحُجَّةِ وَ أَخَذُوا بِالْكِتَابِ وَ الْحِكْمَةِ فَتَفَرَّقَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَهْلُ الْحَقِّ وَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَ تَخَاذَلَ‌ وَ تَهَادَنَ أَهْلُ الْهُدَى وَ تَعَاوَنَ أَهْلُ الضَّلَالَةِ حَتَّى كَانَتِ الْجَمَاعَةُ مَعَ فُلَانٍ وَ أَشْبَاهِهِ فَاعْرِفْ هَذَا الصِّنْفَ وَ صِنْفٌ آخَرُ فَأَبْصِرْهُمْ رَأْيَ الْعَيْنِ نُجَبَاءُ وَ الْزَمْهُمْ حَتَّى تَرِدَ أَهْلَكَ فَ إِنَّ الْخاسِرِينَ‌ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ‌ .

[إِلَى هَاهُنَا رِوَايَةُ الْحُسَيْنِ وَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى زِيَادَةٌ:
 لَهُمْ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ بَلَاءٌ فَلَا تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ‌ عَسْفٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْفِ وَ خَسْفٌ‌ وَ دُونَهُمْ بَلَايَا تَنْقَضِي- ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى رَخَاءٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إِخْوَانَ الثِّقَةِ ذَخَائِرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَ لَوْ لَا أَنْ تَذْهَبَ بِكَ الظُّنُونُ عَنِّي‌ لَجَلَيْتُ لَكَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ غَطَّيْتُهَا وَ لَنَشَرْتُ لَكَ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ كَتَمْتُهَا وَ لَكِنِّي أَتَّقِيكَ وَ أَسْتَبْقِيكَ وَ لَيْسَ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَتَّقِي أَحَداً فِي مَكَانِ التَّقْوَى وَ الْحِلْمُ لِبَاسُ الْعَالِمِ فَلَا تَعْرَيَنَّ مِنْهُ وَ السَّلَامُ.الكافي- ط الاسلامية:ج 8 ص 50-52.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دعاء اليوم الثامن والعشرون من الشهرمن كتاب ( العدد القوية لدفع المخاوف اليومية)

(اليوم الثَّامِن والعشرون) 1 - قَالَ مَوْلَانَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِق (عليه السلام) : أَنَّهُ يَوْم...