دُعَاءَ الْإِمَامِ عَلِيٍّ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُنَاجَاةِ
بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ يَمُدُّ يَدَيْهِ وَيَدْعُو بِمَا رُوِيَ عَنْ مَوْلَانَا الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ "إِلَهِي وَقَفْت بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَمَدَدْت يَدِي إلَيْك ، مَع عِلْمِي بِتَفْرِيطِي فِي عِبَادَتِكَ ، وإهمالي لِكَثِيرٍ مِنْ طَاعَتِكَ ، وَلَوْ أَنِّي سَلَكْت سَبِيل الْحَيَاء لخفت مِنْ مَقَامِ الطَّلَب وَالدُّعَاء ، وَلَكِنِّي يَا رَبِّ لِمَا سَمِعْتُك تُنَادِي الْمُسْرِفِين إلَى بَابِك ، وتعدهم بِحُسْنِ إِقَالَتِكَ وثوابك ، جِئْت مُمْتَثِلًا لِلنِّدَاء ، ولائذا " بعواطف أَرْحَم الرُّحَمَاء .
وَقَد تَوَجَّهَت إلَيْك بِنَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الَّذِي فَضَّلْتَهُ عَلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ ، ومنحته بِالْإِجَابَة وَالشَّفَاعَة ، وبوصية الْمُخْتَار الْمُسَمَّى عِنْدَك بقسيم الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وبفاطمة سَيِّدَةِ النِّسَاءِ ، وبأبنائها الْأَوْلِيَاء الْأَوْصِيَاء ، وَبِكُلّ مِلْك خَاصَّة يتوجهون بِهِم إلَيْك ، ويجعلوهم الْوَسِيلَةِ فِي الشَّفَاعَةِ لَدَيْك ، وَهَؤُلَاء خَاصَّتِك ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ وَأَمِّنِّي مِنْ إخْطَار لِقَائِك ، وَاجْعَلْنِي مِنْ خَاصَّتِكَ وأحبائك ، فَقَدْ قَدَّمْتُ أَمَامَ مَسْأَلَتُك ونجواك مَا يَكُونُ سَبَبًا " إلَى لِقَائِك ورؤياك ، وَإِن رَدَدْت مَعَ ذَلِكَ سُؤَالِي ، وَخَابَت إلَيْك أَمَالِي فَمَالِكٌ رَأَى مِنْ مَمْلُوكِهِ ذَنُوبًا " فطرده عَنْ بَابِهِ ، وَسَيِّد رَأَى مِنْ عَبْدِهِ عُيُوبًا " فَأَعْرَضَ عَنْ جَوَابِهِ .
يَا شقوتاه إنْ ضَاقَتْ عَنِّي سَعَة رَحْمَتِك [1] أَن طَرَدَتْنِي عَنْ بَابِكَ عَلَى بَابِ مِنْ أَقِف بَعْد بَابِك ، وَإِن فُتِحَت لِدُعَائِي أَبْوَاب الْقَبُول ، وأسعفتني بِبُلُوغ السُّؤْل ، فَمَالِكٌ بَدَأ بِالْإِحْسَان وَأَحَبّ إتْمَامِه ، وَمَوْلَى أَقَال عَثْرَة عَبْدِه وَرَحِم مَقَامَه ، وَهُنَاكَ لَا أَدْرِي أَيَّ نِعَمِك أَشْكُر ؟ أحين تطولت عَلِيّ بِالرِّضَا ، وتفضلت بِالْعَفْوِ عَمَّا مَضَى ، أَمْ حِينَ زِدْتُ عَلَى الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانَ باستيناف الْكَرْم وَالْإِحْسَان ؟ .
فمسئلتي لَك يَا رَبِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمَوْصُوف ، مَقَامَ الْعَبْدِ الْبَائِس الْمَلْهُوف ، أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِي ، وتعصمني فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي ، وَإِن تَرَحُّم وَالِدِي الْغَرِيبَيْن فِي بُطُونِ الْجَنَادِل ، البعيدين مِنْ الْأَهْلِ وَالْمَنَازِل .
صَلّ وحدتهما بِأَنْوَار إِحْسَانِك ، وَأَنَس وحشتهما بِآثَار غُفْرَانَك ، وَجَدَّد لمحسنهما فِي كُلِّ وَقْتٍ مَسَرَّة وَنِعْمَة ولمسيئهما مَغْفِرَة وَرَحْمَة حَتَّى يأمنا بعاطفتك مِن إخْطَار الْقِيَامَة ، وتسكنهما بِرَحْمَتِك فِي دَارِ الْمُقَامَةِ ، وَعَرَف بَيْنِي وَبَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ النَّعِيم الرَّائِق ، حَتَّى تَشْمَل بِنَا مَسَرَّة السَّابِق ، وَاللَّاحِق بِه .
سَيِّدِي وَإِنْ عَرَفَتْ مِنْ عَمَلِي شَيْئًا " يَرْفَعْ مِنْ مَقَامَهُمَا ، وَيَزِيدُ فِي إكرامهما فَاجْعَلْه مَا يُوجِبُهُ حَقِّهِمَا لَهُمَا ، وأشركني فِي الرَّحْمَةِ مَعَهُمَا ، وَارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " .
ثُمَّ يَدْعُو لِمَن يَعْنِيه أَمْرِهِ مِنْ موتاه بَعْدَ ذَلِكَ إنْشَاءُ اللَّه .
بِحَار الْأَنْوَار - ط دارالاحیاء التُّرَاث : ج 84 ص 280-281 .
[1] لَعَلَّ فِيهِ سَقْطًا " . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق