فضل اليوم الأول من شعبان
الرواية طويلة ومبسطة لايسعها المقام وملخصهالقد مر أميرا لمؤمنين عليه السلام على قوم من أخلاط المسلمين ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري ، وهم قعود في بعض المساجد في أول يوم من شعبان ، وإذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره مما اختلف الناس فيه ، قد ارتفعت أصواتهم ، و اشتد فيه محكمتهم وجدالهم ، فوقف عليهم وسلم فردوا عليه وأوسعوا له ، وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم ، فلم يحفل بهم ثم قام لهم وناداهم : يا معاشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم! ألم تعلموا أن لله عبادا قد أسكتهم خشيته من غير عي ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء العقلاء البالغون العالمون بالله وأيامه.
ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم ، وانقطعت أفئدتهم ، وطاشت عقولهم ، وهامت حلومهم ، إعزازا لله ، وإعظاما وإجلالا له فاذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالاعمال الزاكية ، يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين ، و إنهم برآء من المقصرين والمفرطين ، إلا أنهم لا يرضون لله بالقليل ، ولا يستكثرون لله الكثير ، ولا يدلون (المنة) عليه بالاعمال فهم فيما رأيتهم مهيمون مروعون خائفون مشفقون وجلون فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين [ ألم تعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم منه ، وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه.
يا معشر المبتدعين ] هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه ، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه ، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الاثمان ، وأسهل الامور ، فأبيتموها ، وعرض لكم إبليس اللعين تشعب شروره وبلاياه فأنتم دائبا تنهمكون في الغي والطغيان ، تتمسكون بشعب إبليس وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه.
هذا غرة شعبان وشعب خيراته الصلاة والصوم والزكاة والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وبر الوالدين والقرابات والجيران ، وإصلاح ذات البين ، والصدقة على الفقراء والمساكين ، تتكلفون ما قد وضع عنكم وما قد نهيتم عن الخوض فيه ، من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين أما إنكم لو وقفتم على ما قد أعد ربنا عز وجل للمطيعين من عباده في هذا اليوم ، لقصرتم عما أنتم فيه ، وشرعتم فيما امرتم به.
قالوا : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) وما الذي اعده الله في هذا اليوم للمطيعين له؟ قال
أمير المؤمنين عليه السلام : ألا لا احدثكم إلا بما سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه واله ) لقد بعث رسول الله ( صلى الله عليه واله ) جيشا ذات يوم إلى قوم من أشداء الكفار ، فأبطأ عليهم خبرهم ، وتعلق قلبه بهم ، وقال : ليت لنا من يتعرف أخبارهم ، ويأتينا بأنبائهم ، بينا هو قائل هذا إذجاءه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم واستولوا وصيروا بين قتيل وجريح وأسير ،
فلما قرب القوم من المدينة ، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه يتلقاهم ، فلما لقيهم ورئيسهم زيد بن حارثة ، وكان قد أمره عليهم ، فلما رأى زيد رسول الله صلى الله عليه وآله نزل عن ناقته ، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل رجله ثم قبل يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل رأسه ، ثم نزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه واله ) عبدالله ابن رواحة فقبل رجله و يده ، وضمه رسول الله ( صلى الله عليه واله ) إليه [ ثم نزل إليه قيس بن عاصم المنقري فقبل يده ورجله وضمه رسول الله ( صلى الله عليه واله ) إليه ] ، ثم نزل إليه سائر الجيش ووقفوا يصلون عليه ، ورد عليهم رسول الله ( صلى الله عليه واله ) خيرا ، ثم قال لهم : حدثوني خبركم وحالكم مع أعدائكم ، وكان معهم من اسراء القوم وذراريهم وعيالاتهم وأموالهم من الذهب والفضة وصنوف الامتعة شئ عظيم.
فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وآله فلما جن علينا الليل وصرنا إلى نصفه فتحوا باب بلدهم ، ونحن نائمون ما كان فينا منتبه إلا أربعة نفر : زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي ويقرأ القرآن ، [ وعبدالله بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن ، و قتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن ] وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن ، فخرجوا في الليلة الظلما الدامسة ورشقونا بنبالهم. وهذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي النبال ، لانا لا نبصرها.
فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوءا خارجا من في قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة وضوءا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري ، وضوءا خارجا من في عبدالله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة ، ونورا ساطعا من في زيد بن حارثة أضوء من الشمس الطالعة ، وإذا تلك الانوار قد أضاءت معسكرنا حتى أنه أضوء من نصف النهار ، وأعداؤنا في مظلمة شديدة ، فأبصرناهم وعموا عنا ، ففرقنا زيد عليهم حتى أحطنا بهم ونحن نبصرهم وهم لا يبصروننا ، فنحن بصراء وهم عميان ، فوضعنا عليهم السيوف ، فصاروا بين قتيل وجريح وأسير ، وما رأينا يا رسول الله ( صلى الله عليه واله ) أعجب من تلك الانوار من أفواه هؤلاء القوم ، التي عادت ظلمة على أعدائنا حتى مكننا منهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فقولوا : الحمد لله رب العالمين على ما فضلكم به من شهر شعبان ، هذه كانت غرة شعبان ، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام ، وهذه الانوار بأعمال إخوانكم هؤلاء في غرة شعبان اسلفوا لها أنوارا في ليلتها قبل أن يقع منهم الاعمال.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أولا احدثكم بهزيمة تقع في إبليس وأعوانه وجنوده
أشد مما وقعت في أعدائكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : والذي بعثني بالحق نبيا إن إبليس إذا كان أول يوم من شعبان بث جنوده في أقطار الارض وآفاقها ، يقول لهم : اجتهدوا في اجتذاب بعض عباد الله إليكم في هذا اليوم وإن الله عز وجل يبث ملائكته في أقطار الارض وآفاقها يقول لهم : سددوا عبادي وأرشدوهم وكلهم يسعد بكم إلا من أبى وتمرد وطغى ، فانه يصير في حزب إبليس وجنوده.
وإن الله عز وجل إذا كان أول يوم من شعبان أمر بأبواب الجنة فتفتح ويأمر شجرة طوبى فتطلع أغصانها على هذه الدنيا [ ثم أمر بأبواب النار فتفتح ويأمر شجرة الزقوم فتطلع أغصانها على هذه الدنيا [ ثم ينادي منادي ربنا عز وجل : يا عباد الله [ هذه أغصان شجرة طوبى فتمسكوا بها ترفعكم إلى الجنة ] وهذه أغصان شجرة الزقوم ، فاياكم وإياها ، لا تؤديكم إلى الجحيم ، قال : فو الذي بعثني بالحق نبيا إن من [ تعاطي بابا من الخير في هذا اليوم فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة طوبى فهو مؤديه إلى الجنة ، ومن ] تعاطى بابا من الشر في هذا اليوم ، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم ، فهو مؤديه إلى النار.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فمن تطوع لله بصلاة في هذا اليوم ، فقد تعلق منه بغصن ، ومن تصدق في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن ، ومن عفى عن مظلمة فقد تعلق منه بغصن ، ومن أصلح بين المرء وزوجه ، والوالد وولده ، والقريب وقريبه والجار وجاره ، والاجنبي والاجنبية ، فقد تعلق منه بغصن ، ومن خفف عن معسر من دينه أو حط عنه فقد تعلق منه بغصن.
ومن نظر في حسابه فرأى دينا عتيقا قد آيس منه صاحبه فأداه ، فقد تعلق منه بغصن ، ومن كفل يتيما فقد تعلق منه بغصن ، ومن كف سفيها عن عرض مؤمن فقد تعلق منه بغصن [ ومن قرأ القرآن أو شيئا منه فقد تعلق منه بغصن ] ومن قعد يذكر الله ولنعمائه يشكره فقد تعلق منه بغصن ، ومن عاد مريضا ومن شيع فيه جنازة ومن عزى فيه مصابا فقد تعلقوا منه بغصن ، ومن بر والديه أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن ، ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن ، وكذلك من فعل شيئا من سائر أبواب الخير في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق نبيا وإن من تعاطى بابا من الشر والعصيان في هذا اليوم ، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم فهو مؤديه إلى النار.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق نبيا وإن من تعاطى بابا من الشر والعصيان في هذا اليوم ، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم فهو مؤديه إلى النار. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق نبيا فمن قصر في صلاته المفروضة وضيعها فقد تعلق بغصن منه ، [ ومن كان عليه فرض صوم ففرط فيه وضيعه فقد تعلق بغصن منه ] ومن جاءه في هذا اليوم فقير ضعيف يعرف سوء حاله فهو يقدر على تغيير حاله من غير ضرر يلحقه ، وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه. فتركه يضيع ويعطب ، ولم يأخذ بيده فقد تعلق بغصن منه ، ومن اعتذر إليه مسئ فلم يعذره ثم لم يقتصر به على قدر عقوبة إسائته بل أربى عليه فقد تعلق بغصن منه ، ومن ضرب بين المرء وزوجه والوالد وولده أو الاخ وأخيه أو القريب وقريبه أو بين جارين أو خليطين أو اختين فقد تعلق بغصن منه ، ومن شدد على معسر وهو يعلم إعساره فزاد غيظا وبلاء فقد تعلق بغصن منه ، ومن كان عليه دين فكسره (نقضه) على صاحبه وتعدى عليه حتى أبطل دينه فقد تعلق بغصن منه ، ومن جفا يتيما و آذاه وتهزم (وغصبه ) ماله فقد تعلق بغصن منه ، ومن وقع في عرض أخيه المؤمن وحمل الناس على ذلك فقد تعلق بغصن منه ، ومن تغنى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلق بغصن منه.
ومن قعد يعدد قبائح أفعاله في الحروب وأنواع ظلمه لعباد الله فيفتخر بها فقد تعلق بغصن منه ، ومن كان جاره مريضا فترك عيادته استخفافا بحقه فقد تعلق
بغصن منه ، ومن مات جاره فترك تشييع جنازته تهاونا به فقد تعلق بغصن منه ، ومن أعرض عن مصاب وجفاه إزراء عليه واستصغارا له فقد تعلق بغصن منه ، ومن عق والديه أو أحدهما فقد تعلق بغصن منه ومن كان قبل ذلك عاقا لهما فلم يرضهما في هذا اليوم ، وهو يقدر على ذلك فقد تعلق بغصن منه ، وكذا من فعل شيئا من سائر أبواب الشر فقد تعلق بغصن منه.
والذي بعثني بالحق نبيا إن المتعلقين بأغصان شجرة [ طوبى ترفعهم تلك الاغصان إلى الجنة ، وإن المتعلقين بأغصان شجرة ] الزقوم تخفضهم تلك الاغصان إلى الجحيم.
ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله طرفه إلى السماء مليا وجعل يضحك ويستبشر ثم خفض طرفه إلى الارض فجعل يقطب ويعبس ثم أقبل على أصحابه فقال : والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لقد رأيت شجرة طوبى ترتفع أغصانها وترفع المتعلقين بها إلى الجنة ، ورأيت فيهم من تعلق منها بغصن ومنهم من تعلق بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على الطاعات ، وإني لارى زيد بن حارثة قد تعلق بعامة أغصانها فهي ترفعه إلى أعلا علائها ، فبذلك ضحكت واستبشرت ،
ثم نظرت إلى الارض فو الذي بعثني بالحق نبيا لقد رأيت شجرة الزقوم تنخفض أغصانها وتخفض المتعلقين بها إلى الجحيم ، ورأيت منهم من تعلق بغصن ، ورأيت منهم من تعلق بغصنين أو بأغصان ، على حسب اشتمالهم على القبايح (القبائح) ، وإني لارى بعض المنافقين قد تعلق بعامة أغصانها ، وهي تخفضه إلى أسفل دركاتها ، فلذلك عبست وقطبت.
ثم أعاد رسول الله صلى الله عليه وآله بصره إلى السماء ينظر إليها مليا وهو يقطب و يعبس ، ثم أقبل على أصحابه فقال : يا عباد الله لو رأيتم ما رآه نبيكم محمد ( صلى الله عليه واله ) إذا لاظمأتم
لله بالنهار أكبادكم ، ولجوعتم له بطونكم ، ولاسهرتم له ليلكم ، ولانصبتم فيه أقدامكم وأبدانكم ، ولانفدتم بالصدقة أموالكم ، وعرضتم للتلف في الجهاد أرواحكم.
قالوا : وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وآله فداك الاباء والامهات والبنون والبنات والاهلون والقرابات ،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق نبيا لقد رأيت تلك الاغصان من شجرة طوبى عادت إلى الجنة ، فنادى منادي ربنا خزانها : يا ملائكتي! انظروا كل من تعلق بغصن من أغصان طوبى في هذا اليوم ، فانظروا إلى مقدار منتهى ظل ذلك الغصن فأعطوه من جميع الجوانب مثل مساحته قصورا ودورا وخيرات. فأعطوه ذلك ، فمنهم من اعطى مسيرة ألف سنة من كل جانب ، و منهم من اعطي ثلاثة أضعافه ، وأربعة أضافه ، وأكثر من ذلك على قدر قوة إيمانهم ، وجلالة أعمالهم ، ولقد رأيت صاحبكم زيد بن حارثة اعطي ألف ضعف ما اعطي جميعهم ، على قدر فضله عليهم في قوة الايمان وجلالة الاعمال ، فلذلك ضحكت واستبشرت.
ولقد رأيت تلك الاغصان من شجرة الزقوم [ عادت إلى جهنم فنادى منادي ربنا خزانها : يا ملائكتي انظروا من تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم ] في هذا اليوم فانظروا إلى منتهى مبلغ ظل ذلك الغصن وظلمته ، فابنوا له مقاعد من النار من جميع الجوانب مثل مساحته قصور نيران وبقاع غيران وحيات وعقارب وسلاسل وأغلال ، وقيود وأنكال يعذب بها ، فمنهم من أعد فيها مسيرة سنة ، أو سنتين أو مائة سنة أو أكثر على قدر ضعف إيمانهم وسوء أعمالهم ، ولقد رأيت لبعض المنافقين ألف ضعف ما اعطي جميعهم على قدر زيادة كفره وشره ، فلذلك قطبت وعبست.
ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أقطار الارض وأكنافها فجعل يتعجب تارة ، وينزعج تارة ثم أقبل على أصحابه فقال : طوبى للمطيعين كيف يكرمهم الله بملائكته ، والويل للفاسقين كيف يخذلهم الله ، ويكلهم إلى شيطانهم ،
والذي بعثني بالحق نبيا إني
لارى المتعلقين بأغصان شجرة طوبى كيف قصدتهم الشياطين ليغووهم ، فحملت عليهم الملائكة يقتلونهم ويسطونهم (يثخنونهم) ويطردونهم عنهم وناداهم منادي ربنا : يا ملائكتي ألا فانظروا كل ملك في الارض إلى منتهى مبلغ نسيم هذا الغصن الذي تعلق به متعلق فقاتلوا الشيطان عن ذلك المؤمن وأخروهم عنه فأني لارى بعضهم وقد جاءه من الاملاك من ينصره على الشياطين ، ويدفع عنه المردة ، ألا فعظموا هذا اليوم من شعبان من بعد تعظيمكم لشعبان ، فكم من سعيد فيه ، وكم من شقي لتكونوا من السعداء فيه ولا تكونوا من الاشقياء .الخبر.... المصدر: تفسير الامام :ص 290 الي 296.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق