وَلَدِ الْعَبَّاسِ بْنُ عَلِيٍّ عليهالسلام سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ [1] ، واُمّه اُم الْبَنِين فَاطِمَةُ بِنْتُ حِزَام الْكِلَابِيَّة ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ عَقِيل بِأَخْذِهَا كَمَا رَوَاهُ السَّيِّد الدَّاوُدِيّ فِي الْعُمْدَةِ ، قَال :
أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام قَالَ لأَخِيهِ عَقِيل ـ وَكَان نسّابه عارفاً بِإِخْبَار الْعَرَب وَأَنْسَابَهُم ـ : أُرِيدُ مِنْك أَنْ تَخْتَارَ لِي امْرَأَةً مِنْ ذَوِي الْبُيُوتِ وَالشَّجَاعَة ، حَتَّى اُصيب مِنْهَا ولداً يَنْصُر وَلَدِي الْحُسَيْن بطفّ كَرْبَلاء ، فَأَطْرَق عَقِيل بِرَأْسِهِ إلَى الْأَرْضِ هُنَيْئَة ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ لَهُ : أَخِي أَيْنَ أَنْتَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتُ حِزَام الْكِلَابِيَّة ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَشْجَعَ مِنْ أبنائها [2] .
[1] اُنْظُر بِحَار الْأَنْوَار :45.
[2] عَمْدُه الطَّالِب : 357 (بتصرف) .
وَفِي آبائها يَقُول لَبِيد لِلنّعْمَان مَلِكُ الْحِيرَةِ :
نَحْنُ بَنُو أُمِّ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة
وَنَحْنُ خَيْرٌ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
الضّارِبِين إلْهَامٌ وَسَط المعمعه
قَال : فتزوّجها أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام فَوَلَدَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ أَنْجَبَت بِهِم ، وَأَوَّلُ مَا وَلَدَتْ الْعَبَّاس ، وَبَعْدَه عَبْداللَّه ، وَبَعْدَه جَعْفَر ، وَبَعْدَه عُثْمَان ، وَعَاش الْعَبَّاس مَعَ أَبِيهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَنَةً ، وَمَع أَخِيهِ الْحَسَنُ أَرْبَعَةَ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَمَع أَخِيهِ الْحُسَيْنِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَذَلِك مدّة عُمُره وَكَانَ يُلَقّبُ قَمَرَ بَنِي هَاشِمٍ ، ويكنّى أَبَا الْفَضْلِ ، وَقَال الْمُؤَرِّخُون : حَضَر الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْض حُرُوبٌ أَبِيه كَالْجَمَل وصفّين والنهروان وَلَمْ يُقَاتِلْ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ السقّا . انظر بطل العلقمي : 1 / 91.
قَال : ولمّا كُتُبِ ابْنِ سَعْدٍ إلَى ابْنِ زِيَادٍ كِتَابِهِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْفَأ النَّائِرَة ، وَجَمَع الْكَلِمَة ، وَأَصْلَح أَمَر الأُمّة ، وَهَذَا الْحُسَيْنِ قَدْ أَعْطَانِي عهداً أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَتَى مِنْهُ » . فَقَامَ إِلَيْهِ شِمْر ابْنُ ذِي الْجَوْشَنِ وتلّكم بِمَا ذَكَرْنَا آنفاً ، وَكَتَبَ إلَى ابْنِ سَعْدٍ يَعْرِضَ عَلَى الْحُسَيْنِ عليهالسلام النُّزُولِ عَلَى حُكْمِهِ . . . إلَى آخِرِ الْكِتَابِ . فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْداللَّه ابْنُ أَبِي الْمَحَلّ بْنِ حِزَامٍ بْنِ خَالِدٍ ـ وَكَانَت عَمَّتِه اُم الْبَنِين ـ فَطَلَبَ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ كتاباً فِيه أماناً لِلْعَبَّاس وَإِخْوَتِه ، فَكَتَب عُبَيْدالله لَه كتاباً فِيه أماناً لِلْعَبَّاس وَإِخْوَتِه وسلّمه إلَى الشَّمِر فَجَاءَ بِهِ إلَى كَرْبَلاء .
ولمّا كَانَ الْيَوْمُ التَّاسِعِ مِنَ الْمُحَرَّمِ رَكِب جَوادِه وَجَاء حَتَّى وَقَفَ إِزَاء خَيَّم الْحُسَيْن عليهالسلام ، وَصَاح : أَيْنَ بَنُو أُخْتِنَا ، أَيْن الْعَبَّاس وَإِخْوَتِه ؟ وَكَانَ الْعَبَّاسُ حِينَئِذ جالساً بَيْنَ يَدَيْ الْحُسَيْن ، فَأَطْرَق بِرَأْسِه حَيَاءً مِنْ الْحُسَيْن عليهالسلام ، فَصَاح الشَّمِر ثانياً ، وثالثاً ، فَالْتَفَت الْحُسَيْن إلَى أَخِيهِ الْعَبَّاسِ وَقَالَ : أَخِي قُم وَانْظُرْ مَا يُرِيدُ هَذَا الْفَاجِر ؛ فَقَام الْعَبَّاس وَرَكِب جَوادِه وَأَقْبَلَ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ : مَا تُرِيدُ يَا ابْنَ ذِي الْجَوْشَنِ ؟ فَقَال : هَذَا كِتَابُ مِنْ ابْنِ زِيَادٍ يَذْكُرْ فِيهِ إنَّك أَنْتَ الْأَمِيرِ عَلَى هَذَا الْجَيْش ، وَأَنْت وَإِخْوَتُك آمِنُون ، فَلَا تَعَرُّضَ نَفْسِك لِلْقَتْل ؛ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ : لَعَنَكَ اللَّهُ وَلَعَنَ أمانك ، أتؤمّنا وَابْن رَسُولُ اللَّهِ لَا أَمَانَ لَهُ ؟ ! وَيْلَك أفبالموت تخوّفني ؟ ! وَأَنَا الْمُمِيت خوّاض الْمَنَايَا ، أَأَتْرُك مِن خلقني اللَّهُ لِأَجْلِهِ وَأَدْخَلُ فِي طَاعَةِ اللعناء وَأَوْلَاد اللعناء ؟ ! وَيْلَك أَنَا أَدْعُوكَ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَنْت تَدْعُونِي إلَى النَّارِ ؟ ! يَابْن ذِي الْجَوْشَنِ فَأَقْبَل نَصِيحَتِي ، وَكُن مَع غَرِيبٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَك عِنْد جدّه الْجَائِزَة الْعُظْمَى .
فَلَمَّا سَمِعَ الشَّمِر كَلَام الْعَبَّاس لَوَى عِنَان جَوادِه ، وَرَجَعَ أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاس
بَطَل إذَا رَكِبَ المطهّم خلّته
جبلاً أسمّ يخفّ فِيه مطهّم
بَطَل تورّث مِنْ أَبِيهِ شَجَاعَة
فِيهَا أُنُوف بَنِي الظَّلالَة ترغم .
(فائدة) : زَوْجَتِه لُبَابَةَ بِنْتِ عُبَيْدالله بْنُ الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدالمُطَّلِب ، كَانَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ خَمْسَة : عُبَيْدالله وَالْفَضْل وَالْحَسَن وَالْقَاسِم ، وبنتاً . وعدّ ابْن شهرآشوب فِي أَلْطَفِ وُلِدَ لَهُ وَهُمْ : مُحَمَّد وعبيدالله وَالْفَضْل أُمِّهِمَا لُبَابَةَ بِنْتِ عُبَيْدالله .
(تخميس)
عَبَّاسُ يَا حَامِي الضعينه وَالْحَرَم
بحماك قَدْ نَامَتْ سَكِينَة بالخيم
صَرَخَت وَنَادَت يَوْمٍ قَدْ سَقَطَ الْعِلْم
الْيَوْم نَامَت أَعْيُن بِك لَمْ تَنَمْ
وتسهّدت اُخرى وعزِّ مَنَامِهَا .
ثمرات الأعواد : ج : 1 ص : 220.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق