رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتُ أَسَدِ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ أَمَارَةُ وَفَاة عَبْدالمُطَّلِب قَال لِأَوْلَادِه : مِن يَكْفُل مُحَمَّدًا ؟ قَالُوا : هُو أَكْيَس مِنَّا فَقُلْ لَهُ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ ، فَقَال عَبْدالمُطَّلِب يامحمد جَدُّك عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ إلَى الْقِيَامَةِ ، أَي عمومتك وعماتك تُرِيدُ أَنْ يَكْفُلُك ؟ فَنَظَرَ فِي وُجُوهِهِمْ ثُمّ زَحَفَ إلَى عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ (1) ، فَقَالَ لَهُ عَبْدالمُطَّلِب : يَا أَبَا طَالِبٍ إِنِّي قَدْ عَرَفْت ديانتك وَأَمَانَتِك فَكُن لَهُ كَمَا كُنْت لَهُ ، قَالَت : فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخَذَه أبوطالب وَكُنْت أَخْدَمَه وَكَان يَدْعُونِي الْأُمّ ، قَالَت (2) :
وَكَانَ فِي بُسْتَانٍ دَارِنَا نَخَلَات ، وَكَانَ أَوّلَ إدْرَاك الرَّطْب وَكَان أَرْبَعُون صَبِيًّا مِنْ أَتْرَاب (3) مُحَمَّد ، يَدْخُلُون عَلَيْنَا كُلَّ يَوْمٍ فِي الْبُسْتَانِ ، ويلتقطون مَا يَسْقُطُ فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ مُحَمَّدًا يَأْخُذ رَطْبَةً مِنْ يَدِ صَبِيٍّ سَبَقَ إلَيْهَا ، وَالْآخِرُون يَخْتَلِس بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ ، وَكُنْت كُلَّ يَوْمٍ الْتَقَط لِمُحَمَّد حَفْنَة (4) فَمَا فَوْقَهَا ، وَكَذَلِك جَارِيَتِي ، فَاتَّفَق يَوْمًا إنْ نَسِيَتْ أَنْ الْتَقَط لَهُ شَيْئًا وَنَسِيت جَارِيَتِي ، وَكَانَ مُحَمَّدُ نَائِمًا ، وَدَخَل الصِّبْيَان و أَخَذُوا كُلُّ مَا سَقَطَ مِنْ الرُّطَبِ وَانْصَرَفُوا ، فَنِمْت فَوَضَعَت الْكُمّ عَلَى وَجْهِي حَيَاءً مِنْ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَبَهَ ، قَالَت :
فَانْتَبَه مُحَمَّد وَدَخَل الْبُسْتَان فَلَمْ يَرَ رَطْبَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، فَانْصَرَف فَقَالَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ : أَنَا نَسِينَا أَن نلتقط شَيْئًا ، وَالصِّبْيَان دَخَلُوا وَأَكَلُوا جَمِيعِ مَا كَانَ قَدْ سَقَطَ ، قَالَت :
فَانْصَرَف مُحَمَّدٌ إلَى الْبُسْتَان وَأَشَارَ إلَى نَخْلَةَ وَقَال : آيَتِهَا الشَّجَرَة أَنَا جَائِع ، قَالَت : فَرَأَيْت الشَّجَرَة (5) قَدْ وَضَعَتِ أَغْصَانِهَا الَّتِي عَلَيْهَا الرَّطْب حَتَّى أَكَلَ مِنْهَا مُحَمَّدٍ مَا أَرَادَ ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ إلَى مَوْضِعِهَا ، قَالَتْ فَاطِمَةُ : فَتَعَجَّبْت ، وَكَان أبوطالب قَدْ خَرَجَ مِنْ الدَّارِ ، وَكُلِّ يَوْمٍ إذَا رَجَعَ وَقَرْع الْبَاب كُنْتُ أَقُولُ لِلْجَارِيَة حَتَّى تُفْتَحَ الْبَاب ، فَقَرَع أبوطالب (6) فعدوت حَافِيَة إلَيْه وَفُتِحَت الْبَاب وَحَكَيْت لَهُ مَا رَأَيْت ، فَقَال : هُوَ إنَّمَا يَكُونُ نَبِيًّا ، وَأَنْت تَلْدين لَه وَزِيرًا بَعْدَ ثَلَاثِينَ (7) فَوَلَدَت عَلِيًّا كَمَا قَالَ (8) . الخرائج : 186 .
(1) فِي الْمَصْدَرِ : ثُمَّ قَالَ إلَى أَبِى طَالِبٍ .
(2) وَقَالَت خ ل .
(3) الاتراب جَمْع التُّرْبَة : مِنْ وَلَدِ مَعَك أَوْ تَرَبَّى مَعَك .
(4) الحَفْنة : مِلْء الْكَفَّيْنِ ، وَفِى الْمَصْدَر : الْجَفْنَة بِالْجِيم .
(5) فِي الْمَصْدَرِ : فَرَأَيْت النَّخْلَة .
(6) فِي الْمَصْدَرِ : فَقَرَع أبوطالب الْبَاب .
(7) بَعْدَ يَأْسٍ خ ل .
(8) وَفِيه : وتلدين وَزِيرَه ، فَوَلَدَت عَلِيًّا وَزِيرَه كَمَا قَالَ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق