الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

خطبة فاطمة الصغرى بعد أن ورد ت من كربلاء

خطبة فاطمة الصغرى 
وروى زيد بن موسى [1] قال : حدثني أبي ، عن جدي عليهما السلام قال : خطبت فاطمة الصغرى عليها السلام بعد أن ورد من كربلاء ، فقالت :

الحمد الله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً صلى الله عليه واله عبده ورسوله ، وأن ذريته  ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات [2].

اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصية علي بن أبي طالب عليه السلام ، المسلوب حقه ، المقتول بغير ذنب ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعساً لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته إليك  محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور

[1] زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين العلوي الطالبي ، ثائر ، خرج في العراق مع أبي السرايا ، توفي نحو سنة ٢٥٠ هـ.
الأعلام 3 / 61 .

[2] ر : من غير دخل ولا تراث. ع : بغير ذحل ولا تراب.
الذحل : الحقد والعداوة ، يقال : طلب بذحلة أي : بثاره. والموتور : الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، تقول منه : وتره يتره وتراً وتيرة.
الصحاح 4 / 1701 ، 2 / 483.

المذاهب ، لم تأخذه اللهم فيك لومة  لائم ولا عذل عاذل ، هديته يا رب للغسلام صغيراً ، وحمدت مناقبه كبيراً ، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك ، ، زاهداً في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغباً في الآخرة ، مجاهداً لك في سبيلك ، رضيته فاخترته وهديته  إلى صراط مستقيم.

أما بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل  بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته على أهل الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه واله على كثير ممن خلق تفضيلاً بيناً.

فكذبتمونا ، وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً وأمولنا نهباً ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت ، لحقد متقدم ، قرت لذلك  عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء على الله ومكراً مكرتم  ، والله خير الماكرين.

فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أسبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا ، فان ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة  في كتاب من

قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور.

تباً لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حل بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب  ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنه الله على الظالمين.

ويلكم ، أتدرون أية يد طاعنتنا منكم؟! وأية نفس نزعت  إلى قتالنا؟! أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟!

قست والله قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على أسماعكم وأبصاركم  ، وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

فتباً لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات  لرسول الله صلى الله عليه واله قبلكم وذحول  له لديكم بما عندتم  بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي وبنيه وعترة النبي الأخيار  صلوات الله وسلامه عليهم ، وافتخر بذلك مفتخركم فقال :

نحن قتلن علياً وبني علي ***  بسيوف هندية ورماح
وسبينا نساءهم  سبي تُركِ*** ونطحناهم فأي نطاح


بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب [1] ، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأكظم واقع كما أقعى أبوك ، فإنما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه.

أحسدتمونا  ـ ويلاً لكم ـ على ما فضلنا الله .

شعر :
فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورنا*** وبحرك ساج لا يواري الدَّعامصا [2]

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

قال : وارتفعت الأصوات بالبكاء ، وقالوا : حسبك يابنة الطيبين ، فقد أحرقت قلوبنا وانضحت نحورنا واضرمت اجوافنا ، فسكتت.المصدر الملهوف على قتلى الطّفوف المؤلف : السيد بن طاووس: ص 194-197.

[1] الكثكث : فتاة الحجارة والتراب. وكذا الأثلب يأتي بهذا المعنى.
الصحاح 1 / 290 كثث ، و 94 ثلب.

[2] : الدعموص : دويبة تغوص في الماء.
الصحاح 3 / 1040 دعمص.

وفي الصحاح 1 / 412 نضح الشجر : إذا تفطر ليخرج ورقه.

وفي ب : وانضجت نحورنا واضرمت اجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدتها السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لحم البقر بالسلق ، ومرق لحم البقر

    لحم البقر بالسلق *  ومرق لحم البقر *  السلق : نبت له ورق طوال ، وورقه يؤكل ( لسان العرب ج 10 ص 162 ).  1 -  عن محمّد بن قيس ، عن أبي ج...