خطبة فاطمة الصغرى
وروى زيد بن موسى [1] قال : حدثني أبي ، عن جدي عليهما السلام قال : خطبت فاطمة الصغرى عليها السلام بعد أن ورد من كربلاء ، فقالت :الحمد الله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً صلى الله عليه واله عبده ورسوله ، وأن ذريته ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات [2].
اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصية علي بن أبي طالب عليه السلام ، المسلوب حقه ، المقتول بغير ذنب ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعساً لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور
[1] زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين العلوي الطالبي ، ثائر ، خرج في العراق مع أبي السرايا ، توفي نحو سنة ٢٥٠ هـ.
الأعلام 3 / 61 .
[2] ر : من غير دخل ولا تراث. ع : بغير ذحل ولا تراب.
الذحل : الحقد والعداوة ، يقال : طلب بذحلة أي : بثاره. والموتور : الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، تقول منه : وتره يتره وتراً وتيرة.
الصحاح 4 / 1701 ، 2 / 483.
أما بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته على أهل الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه واله على كثير ممن خلق تفضيلاً بيناً.
فكذبتمونا ، وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً وأمولنا نهباً ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت ، لحقد متقدم ، قرت لذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء على الله ومكراً مكرتم ، والله خير الماكرين.
فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أسبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا ، فان ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة في كتاب من
تباً لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حل بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنه الله على الظالمين.
ويلكم ، أتدرون أية يد طاعنتنا منكم؟! وأية نفس نزعت إلى قتالنا؟! أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟!
قست والله قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على أسماعكم وأبصاركم ، وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
فتباً لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول الله صلى الله عليه واله قبلكم وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي وبنيه وعترة النبي الأخيار صلوات الله وسلامه عليهم ، وافتخر بذلك مفتخركم فقال :
نحن قتلن علياً وبني علي *** بسيوف هندية ورماح
وسبينا نساءهم سبي تُركِ*** ونطحناهم فأي نطاح
بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب [1] ، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأكظم واقع كما أقعى أبوك ، فإنما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه.
أحسدتمونا ـ ويلاً لكم ـ على ما فضلنا الله .
شعر :
فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورنا*** وبحرك ساج لا يواري الدَّعامصا [2]
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
قال : وارتفعت الأصوات بالبكاء ، وقالوا : حسبك يابنة الطيبين ، فقد أحرقت قلوبنا وانضحت نحورنا واضرمت اجوافنا ، فسكتت.المصدر الملهوف على قتلى الطّفوف المؤلف : السيد بن طاووس: ص 194-197.
[1] الكثكث : فتاة الحجارة والتراب. وكذا الأثلب يأتي بهذا المعنى.
الصحاح 1 / 290 كثث ، و 94 ثلب.
[2] : الدعموص : دويبة تغوص في الماء.
الصحاح 3 / 1040 دعمص.
وفي الصحاح 1 / 412 نضح الشجر : إذا تفطر ليخرج ورقه.
وفي ب : وانضجت نحورنا واضرمت اجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدتها السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق