تزوجه صلى الله عليه واله بخديجة رضى الله عنها
ويوم العاشر منه تزوج النبي صلى الله عليه وآله بخديجة بنت خويلد، وله يومئذ خمس وعشرون سنة.عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه واله أن يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبوطالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة ، فابتدأ أبوطالب بالكلام فقال : « الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم ، وذرية إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ، ثم إن ابن أخي هذا يعني رسول الله صلى الله عليه واله ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به ، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق ، وإن كان مقلا في المال ، فإن المال رفد جار ، وظل زائل ، وله في خديجة رغبة ، ولها فيه رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها ، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله ، وله ورب هذا البيت حظ عظيم ، ودين شائع ، ورأي كامل » ثم سكت أبوطالب فتكلم عمها وتلجلج ، وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر ، وكان رجلا من القسيسين ، فقالت خديجة مبتدئة : يا عماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بى من نفسي ، قد زوجتك يا محمد نفسي ، والمهر علي في مالي ، فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها ، وأدخل على أهلك ، قال أبوطالب : اشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها ، فقال بعض قريش : يا عجباه المهر على النسآء للرجال؟ فغضب أبوطالب غضبا شديدا وقام على قدميه ، وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه[1] ، فقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الاثمان ، وأعظم المهر ، وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي ، ونحر أبوطالب ناقة ودخل رسول الله صلى الله عليه واله بأهله ، فقال رجل من قريش يقال له : عبدالله[2] بن غنم :
هنيئا مرئيا يا خديجة قد جرت * لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوجت خير البرية كلها * ومن ذا الذي في الناس مثل محمد؟
وبشر به البر ان عيسى بن مريم *وموسى بن عمران فياقرب موعد
أقرت به الكتاب قدما بأنه *رسول من البطحاء هاد ومهتد.
الفروع 2 :19 و 20.
[1]في المصدر : وكان ممن تهابه الرجل وتكره غضبه.
[2]أبوعبدالله خ ل وفي المصدر : فقال رجل من قريش يقال له : عبدالله بن غنم شعرا.
بيان :
الزرع : الولد. قوله : فإن المال رفد جار أي عطاء مستمر ، يجريه الله على عباده بقدر حاجتهم ، وقد مر مكانه : ورق حائل ، وسيأتي من الفقيه : رزق حائل.
والبهر بالضم : انقطاع النفس من الاعياء ، قولها : وإن كنت أولى بنفسي مني ، لعل المعنى إنك وإن كنت أولى بأمري في محضر الناس عرفا ، فلست أولى بأمري واقعا ، أو إن كنت أولى في الحضور والتكلم بمحضر الناس ، فلست أولى مني في أصل الرضا والقبول ، أو إن كنت قادرا على إهلاكي وامكنك فيه ، لكني لا امكنك في ترك هذا الامر ، ولعل الاوسط أظهر ، قوله : قد جرت لك الطير ، يقال للحظ من الخير والشر : طائر ، لقول العرب : جرى لفلان الطائر بكذا من الخير والشر ، على طريقة التفأل والطيرة ، وأصله أنهم كانوا يتفألون ويتطيرون بالسوانح والبوارح[٢] من الطير عند توجههم إلى مقاصدهم ويحتمل أن يكون المعنى انتشر أسعد الاخبار منك في الآفاق سريعا بسبب ما كان منك من حسن الاختيار ، فإن الطير أسرع في إيصال الاخبار من غيرها ، والاول أظهر. والبر بالفتح : الصادق ، والكثير البر. والقدم بالكسر : خلاف الحدوث ، يقال : قد ما كان كذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق