الاثنين، 18 أكتوبر 2021

 قصّة بقرة بني إسرائيل

قصّة بقرة بني إسرائيل:

الحادثة (كما يبينها القرآن وكتب التّفسير) على النحو التالي: قتل شخص من بني إسرائيل بشكل غامض، ولم يعرف القاتل.

حدث بين قبائل بني إسرائيل نزاع بشأن هذه الحادثة، كل قبيلة تتهم الاُخرى بالقتل.

توجّهوا إلى موسى (عليه السلام) ليقضي بينهم.

فما كانت الأساليب الإِعتيادية ممكنة في هذا القضاء.

وما كان بالإِمكان إهمال هذه المسألة لما سيترتب عليها من فتنة بين بني إسرائيل.

لجأ  موسى (عليه السلام) - بإذن الله - إلى طريقة إعجازية لحل هذه المسألة كما ستوضحها الآيات الكريمة.

يقوله سبحانه في هذه الآيات: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً﴾؟! ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.

أي إن الإِستهزاء من عمل الجاهلين، وأنبياء الله مبرّأون من ذلك.

بعد أن أيقنوا جديّة المسألة، ﴿قَالُوا أدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾.

وعبارة «ربك» تتكرر في خطاب بني إسرائيل  لموسى (عليه السلام)، وتنطوي على نوع من إساءة الأدب والسخرية، وكأن ربّ موسى غير ربهم!!

موسى (عليه السلام) أجابهم: ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ أي إنها لا كبيرة هرمة ولا صغيرة، بل متوسطة بين الحالتين: ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾.

لكن بني إسرائيل لم يكفوا عن لجاجتهم: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾؟

أجابهم  موسى (عليه السلام): ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقوُلُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِع لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ أي إنها حسنة الصفرة لا يشوبها لون آخر.

ولم يكتف بنو إسرائيل بهذا، بل أصرّوا على لجاجهم، وضيّقوا دائرة انتخاب البقرة على أنفسهم.

عادوا و﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ طالبين بذلك مزيداً من التوضيح، متذرعين بالقول:﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ﴾.


أجابهم  موسى (عليه السلام) ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الاَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ أي ليست من النوع المذلل لحرث الأرض وسقيها.

﴿مُسلَّمَةٌ﴾ من العيوب كلها.

﴿لاَ شِيَةَ فِيهَا﴾ أي لا لون فيها من غيرها.

حينئذ: ﴿قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ﴾.

﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ أي أنهم بعد أن وجدوا بقرة بهذه السمات ذبحوها بالرغم من عدم رغبتهم بذلك.

بعد أن ذكر القرآن تفاصيل القصة، عاد فلخص الحادث بآيتين: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّاراْتُمْ فِيهَا﴾ أي فاختلفتم في القتل وتدافعتم فيه.

﴿وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾.

﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ أي اضربوا المقتول ببعض أجزاء البقرة، كي يحيى ويخبركم بقاتله.

﴿كَذَلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

وبعد هذه الآيات البينات، لم تلن قلوب بني إسرائيل، بل بقيت على قسوتها وغلظتها وجفافها.

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسْوَةً﴾.

إنها أشد قسوة من الحجارة، لأن بعض الحجارة تتفجر منها الأنهار، أو تنبع منها المياه أو تسقط من خوف الله: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الاَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾.

لكن قلوب بني إسرائيل أشدّ قسوة من الحجارة، فلا تنفجر منها عاطفة ولا علم، ولا تنبع منها قطرة حبّ، ولا تخفق من خوف الله.

والله عالم بما تنطوي عليه القلوب وما تفعله الإيدي: ﴿وَمَا اللهُ بَغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

بحوث
وفي الآيات ما يشير إلى أن مجموعة من بني إسرائيل - على الأقل - كانت تعرف القاتل، وقد يكون القتل قد تمّ بمؤامرة بين هؤلاء الأفراد، لكنهم كانوا يكتمون الأمر، ولهذا يقول سبحانه: ﴿وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتِمُونَ﴾.

ما هو دافع القتل؟
تذكر كتب التأريخ والتّفسير أن دافع القتل في هذه الحادثة إمّا المال، أو الزّواج.

من المفسرين من قال إنّ ثرياً من بني إسرائيل لم يكن له وارث سوى ابن عمه، فطال عمر هذا الثري ولم يطق الوارث مزيداً من الإِنتظار، فقتله خفية ليحصل على أمواله، وألقى جسده في الطريق، ثم بدأ بالصراخ والعويل، وشكا الأمر إلى موسى.

ومن الممكن أن تشير القصة إلى حقيقة هي: إن كل المفاسد والجرائم مصدرها في الغالب أمران:
 الطمع في المال، والطمع في الجنس.

الإِحسان إلى الأب:
يذكر المفسرون أنّ البقرة التي ذكرت الآيات مواصفاتها، كانت وحيدة لا تشاركها بقرة اُخرى في ذلك، ولذلك اضطر القوم إلى شرائها بثمن باهظ.

ويقولون: إن هذه البقرة كانت ملكاً لشاب صالح على غاية البّر بوالده.

هذا الرجل واتته سابقاً فرصة صفقة مربحة، كان عليه أن يدفع فيها الثمن نقداً.

وكانت النقود في صندوق مغلق مفتاحه تحت وسادة والده.

حين جاء الرجل ليأخذ المفتاح وجد والده نائماً، فأبى إيقاظه وازعاجه، ففضّل أن يترك الصفقة على أن يوقظ والده.

وأخيراً لم تتم صفقة المعاملة، ولذا أراد الله تعالى تعويضه على ايثاره هذا بمعاملة اُخرى وفيرة الربح.

وقالوا أيضاً: بعد أن استيقظ الوالد وعلمه بالأمر، أهدى لولده البقرة المذكورة، فدّرت عليه ربحاً عظيماً».

وإلى هذه القصّة يشير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول: «أُنْظُروا إِلَى البّر مَا بَلَغَ بأهله.

المصدر:اﻷمثل ج1ص177.
الآيات من (67) إلى (74) من سورة البقرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجوب تسكين الغضب عن فعل الحرام وما يسكّن به

   وجوب تسكين الغضب عن فعل الحرام وما يسكّن به    1 -  عن صفوان بن مهران قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : إنما المؤمن الذي إذا غضب ل...