فضل علي بن ابي طالب في سورة العاديات
سُورَةُ الْعَادِيَاتِ مَكِّيَّةٌ 100 : 1-3
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً- فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً ))
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فِي قَوْلِهِ: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، قَالَ هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ قَالَ قُلْتُ وَ مَا كَانَ حَالُهُمْ وَ قِصَّتُهُمْ قَالَ إِنَّ أَهْلَ وَادِي الْيَابِسِ اجْتَمَعُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ- وَ تَعَاقَدُوا وَ تَعَاهَدُوا- وَ تَوَاثَقُوا عَلَى أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ- وَ لَا يَخْذُلَ أَحَدٌ أَحَداً وَ لَا يَفِرَّ رَجُلٌ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَمُوتُوا كُلُّهُمْ عَلَى حِلْفٍ وَاحِدٍ- أَوْ يَقْتُلُوا مُحَمَّداً ( صلى الله عليه واله ) وَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السلام )، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ( عليه السلام ) عَلَى مُحَمَّداً ( صلى الله عليه واله ) وَ أَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِمْ وَ مَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ وَ تَوَاثَقُوا- وَ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ فُلَاناً إِلَيْهِمْ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ- ثُمَّ قَالَ:
«يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ أَهْلَ وَادِي الْيَابِسِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ- قَدِ اسْتَعَدُّوا وَ تَعَاقَدُوا وَ تَعَاهَدُوا- أَنْ لَا يَغْدِرَ رَجُلٌ بِصَاحِبِهِ وَ لَا يَفِرَّ عَنْهُ- وَ لَا يَخْذُلَهُ حَتَّى يَقْتُلُونِي وَ أَخِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُسَيِّرَ إِلَيْهِمْ فُلَاناً فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ- فَخُذُوا فِي أَمْرِكُمْ وَ اسْتَعِدُّوا لِعَدُوِّكُمْ- وَ انْهَضُوا إِلَيْهِمْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَ بَرَكَتِهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ عُدَّتَهُمْ وَ تَهَيَّئُوا وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) فُلَاناً بِأَمْرِهِ- وَ كَانَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ أَنَّهُ إِذَا رَآهُمْ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَإِنْ تَابَعُوهُ وَ إِلَّا وَاقَعَهُمْ فَيَقْتُلُ مُقَاتِلِيهِمْ- وَ يَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ وَ يَسْتَبِيحُ أَمْوَالَهُمْ- وَ يُخَرِّبُ ضِيَاعَهُمْ وَ دِيَارَهُمْ، فَمَضَى فُلَانٌ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ فِي أَحْسَنِ عُدَّةٍ وَ أَحْسَنِ هَيْئَةٍ يَسِيرُ بِهِمْ سَيْراً رَفِيقاً- حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْقَوْمَ نُزُولُ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ- وَ نَزَلَ فُلَانٌ وَ أَصْحَابُهُ قَرِيباً مِنْهُمْ، خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ مِائَتَا رَجُلٍ مُدَجَّجِينَ بِالسِّلَاحِ، فَلَمَّا صَادَفُوهُمْ قَالُوا لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ وَ أَيْنَ تُرِيدُونَ لِيَخْرُجْ إِلَيْنَا صَاحِبُكُمْ حَتَّى نُكَلِّمَهُ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فُلَانٌ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا فُلَانٌ صَاحِبُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله )، قَالُوا مَا أَقْدَمَكَ عَلَيْنَا قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكُمُ الْإِسْلَامَ فَإِنْ تَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ لَكُمْ مَا لَهُمْ- وَ عَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ وَ إِلَّا فَالْحَرْبُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ، قَالُوا: لَهُ أَمَا وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّى لَوْ لَا رَحِمٌ بَيْنَنَا وَ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ لَقَتَلْنَاكَ وَ جَمِيعَ أَصْحَابِكَ قَتْلَةً تَكُونُ حَدِيثاً لِمَنْ يَكُونُ بَعْدَكُمْ- فَارْجِعْ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ وَ ارْبَحُوا الْعَافِيَةَ- فَإِنَّا إِنَّمَا نُرِيدُ صَاحِبَكُمْ بِعَيْنِهِ وَ أَخَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السلام ).
فَقَالَ فُلَانٌ لِأَصْحَابِهِ: يَا قَوْمُ! الْقَوْمُ أَكْثَرُ مِنْكُمْ أَضْعَافاً وَ أَعَدُّ مِنْكُمْ- وَ قَدْ نَأَتْ دَارُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَارْجِعُوا نُعْلِمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) بِحَالِ الْقَوْمِ، فَقَالُوا لَهُ جَمِيعاً خَالَفْتَ يَا فُلَانُ قَوْلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) وَ مَا أَمَرَكَ بِهِ- فَاتَّقِ اللَّهَ وَ وَاقِعِ الْقَوْمَ وَ لَا تُخَالِفْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله )، فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ- الشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ- فَانْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) بِمَقَالَةِ الْقَوْمِ وَ مَا رَدَّ عَلَيْهِمْ فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ): يَا فُلَانُ خَالَفْتَ أَمْرِي وَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ- وَ كُنْتَ لِي وَ اللَّهِ عَاصِياً فِيمَا أَمَرْتُكَ- فَقَامَ النبي ( صلى الله عليه واله ) وَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ- ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنِّي أَمَرْتُ فُلَاناً أَنْ يَسِيرَ إِلَى أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ وَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ وَ يَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ- فَإِنْ أَجَابُوهُ وَ إِلَّا وَاقَعَهُمْ- وَ أَنَّهُ سَارَ إِلَيْهِمْ وَ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ مِائَتَا رَجُلٍ- فَإِذَا سَمِعَ كَلَامَهُمْ وَ مَا اسْتَقْبَلُوهُ بِهِ- انْتَفَخَ صَدْرُهُ وَ دَخَلَهُ الرُّعْبُ مِنْهُمْ- وَ تَرَكَ قَوْلِي وَ لَمْ يُطِعْ أَمْرِي، وَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَمَرَنِي عَنِ اللَّهِ أَنْ أَبْعَثَ إِلَيْهِمْ فُلَاناً مَكَانَهُ- فِي أَصْحَابِهِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ- فَسِرْ يَا فلانا [فُلَانُ] عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَ لَا تَعْمَلْ كَمَا عَمِلَ أَخُوكَ- فَإِنَّهُ قَدْ عَصَى اللَّهَ وَ عَصَانِي وَ أَمَرَهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْأَوَّلَ- فَخَرَجَ وَ خَرَجَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الْأَوَّلِ- يَقْتَصِدُ بِهِمْ فِي سَيْرِهِمْ حَتَّى شَارَفَ الْقَوْمَ- وَ كَانَ قَرِيباً مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَرَاهُمْ وَ يَرَوْنَهُ، وَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِائَتَا رَجُلٍ- فَقَالُوا لَهُ وَ لِأَصْحَابِهِ مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ لِلْأَوَّلِ- فَانْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ مَعَهُ- وَ كَادَ أَنْ يَطِيرَ قَلْبُهُ مِمَّا رَأَى مِنْ عُدَّةِ الْقَوْمِ وَ جَمْعِهِمْ- وَ رَجَعَ يَهْرُبُ مِنْهُمْ.
فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ( عليه السلام ) فَأَخْبَرَ مُحَمَّداً( صلى الله عليه واله ) بِمَا صَنَعَ هَذَا- وَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ- فَصَعِدَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه واله ) الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ- وَ أَخْبَرَ بِمَا صَنَعَ هَذَا وَ مَا كَانَ مِنْهُ- وَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ- مُخَالِفاً لِأَمْرِي عَاصِياً لِقَوْلِي، فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ صَاحِبُهُ- فَقَالَ لَهُ يَا فُلَانُ عَصَيْتَ اللَّهَ فِي عَرْشِهِ- وَ عَصَيْتَنِي وَ خَالَفْتَ قَوْلِي- وَ عَمِلْتَ بِرَأْيِكَ أَلَا قَبَّحَ اللَّهُ رَأْيَكَ- وَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ ( عليه السلام ) قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السلام ) فِي هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ وَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَدَعَا عَلِيّاً ( عليه السلام ) وَ أَوْصَاهُ- بِمَا أَوْصَى بِهِ الْأَوَّلَ وَ الثَّانِيَ وَ أَصْحَابَهُ الْأَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ- وَ أَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْهِ وَ عَلَى أَصْحَابِهِ.
فَخَرَجَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) وَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَسَارَ بِهِمْ سَيْراً غَيْرَ سَيْرِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَعْنَفَ بِهِمْ فِي السَّيْرِ- حَتَّى خَافُوا أَنْ يَنْقَطِعُوا مِنَ التَّعَبِ وَ تَحْفَى[1] دَوَابُّهُمْ- فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَخَافُوا فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) قَدْ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ- وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُ عَلَيَّ وَ عَلَيْكُمْ- فَأَبْشِرُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى خَيْرٍ، وَ إِلَى خَيْرٍ- فَطَابَتْ نُفُوسُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ وَ سَارُوا عَلَى ذَلِكَ السَّيْرِ وَ التَّعَبِ- حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيباً مِنْهُمْ حَيْثُ يَرَوْنَهُمْ وَ يَرَاهُمْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَنْزِلُوا- وَ سَمِعَ أَهْلُ وَادِي الْيَابِسِ بِقُدُومِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ أَصْحَابِهِ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ مِنْهُمْ مِائَتَا رَجُلٍ شَاكِينَ بِالسِّلَاحِ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ- فَقَالُوا لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ- وَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ وَ أَيْنَ تُرِيدُونَ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) وَ أَخُوهُ وَ رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ، أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ- وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ لَكُمْ إِنْ آمَنْتُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَ عَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ، فَقَالُوا لَهُ إِيَّاكَ أَرَدْنَا وَ أَنْتَ طَلِبَتُنَا- قَدْ سَمِعْنَا مَقَالَتَكَ وَ مَا عَرَضْتَ عَلَيْنَا هَذَا مَا لَا يُوَافِقُنَا- فَخُذْ حِذْرَكَ وَ اسْتَعِدَّ لِلْحَرْبِ الْعَوَانِ[2] وَ اعْلَمْ أَنَّا قَاتِلُوكَ وَ قَاتِلُو أَصْحَابِكَ- وَ الْمَوْعِدُ فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ غَداً ضَحْوَةً، وَ قَدْ أَعْذَرْنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ.
فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) وَيْلَكُمْ! تُهَدِّدُونِّي بِكَثْرَتِكُمْ وَ جَمْعِكُمْ! فَأَنَا أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَ مَلَائِكَتِهِ وَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْكُمْ- وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَانْصَرَفُوا إِلَى مَرَاكِزِهِمْ وَ انْصَرَفَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) إِلَى مَرْكَزِهِ- فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّيْلُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحْسِنُوا إِلَى دَوَابِّهِمْ- وَ يَقْضِمُوا وَ يُسْرِجُوا[3].
فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ صَلَّى بِالنَّاسِ بِغَلَسٍ[4] ثُمَّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ بِأَصْحَابِهِ فَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى وَطِئَتْهُمُ الْخَيْلُ- فِيمَا أَدْرَكَ آخِرُ أَصْحَابِهِ حَتَّى قَتَلَ مُقَاتِلِيهِمْ- وَ سَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَ اسْتَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ- وَ خَرَّبَ دِيَارَهُمْ وَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى وَ الْأَمْوَالِ مَعَهُ- وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ( عليه السلام ) فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) بِمَا فَتَحَ اللَّهُ بِعَلِيٍّ ( عليه السلام ) وَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ- وَ أَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَيْنِ وَ نَزَلَ- فَخَرَجَ يَسْتَقْبِلُ عَلِيّاً فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَقِيَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَآهُ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) مُقْبِلًا نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ- وَ نَزَلَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه واله ) حَتَّى الْتَزَمَهُ وَ قَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَنَزَلَ جَمَاعَةُ الْمُسْمِلِينَ إِلَى عَلِيٌّ ( عليه السلام ) حَيْثُ نَزَلَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) وَ أَقْبَلَ بِالْغَنِيمَةِ وَ الْأُسَارَى وَ مَا رَزَقُهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ، ثُمَّ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ( عليه السلام ) مَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا قَطُّ- إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ خَيْبَرَ فَإِنَّهَا مِثْلُ ذَلِكَ- وَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هَذِهِ السُّورَةِ[5] وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً يَعْنِي بِالْعَادِيَاتِ الْخَيْلَ تَعْدُو بِالرِّجَالِ، وَ الضَّبْحُ صَيْحَتُهَا فِي أَعِنَّتِهَا وَ لُجُمِهَا «فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً» فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهَا أَغَارَتْ عَلَيْهِمْ صُبْحاً- قُلْتُ قَوْلُهُ: «فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً» قَالَ: الْخَيْلُ يُؤْثِرْنَ بِالْوَادِي نَقْعاً «فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً» قُلْتُ قَوْلُهُ «إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» قَالَ لَكَفُورٌ - فَهَذِهِ قِصَّةُ أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ وَ تَفْسِيرُ الْعَادِيَاتِ. للحديث تتمة .تفسير القمي : ج 2 ص 434 - 439.
ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً أَيْ عَدَوْا عَلَيْهِمْ فِي الضَّبْحِ، ضَبَاحُ الْكَلَابُ صَوْتُهَا فَالْمُورِياتِ قَدْحاً كَانَتْ بِلَادُهُمْ فِيهَا حِجَارَةً- فَإِذَا وَطِئْتْهَا سَنَابِكُ الْخَيْلِ كَانَ تَنْقَدِحُ مِنْهَا النَّارُ فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً أَيْ صَبَّحَتْهُمْ بِالْغَارَةِ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً قَالَ ثَوْرَةُ الْغَبَرَةِ مِنْ رَكْضِ الْخَيْلِ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قَالَ تَوَسُّطَ الْمُشْرِكِينَ بِجَمْعِهِمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أَيْ كَفُورٌ.
[2]. الْحَرْبُ الْعَوَانُ: الْحَرْبُ الَّتِي قُوتِلَ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
[3]. الْقَضْمُ: الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ شَيْئاً يَابِساً، وَ الْمَعْنَى أَنْ يَقْضُوا لَيْلَهُمْ فِي رِعَايَةِ الدَّوَابِّ وَ أَكْلِ الطَّعَامِ الْيَابِسِ لِيَكُونَ لَهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْأَكْلِ لِكَيْ لَا يَهْجُمَ عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ غِيلَةً. وَ يُسْرِجُوا أَيْ يُسْرِجُوا السِّرَاجَ.
[4]. الْغَلَسُ بِالتَّحْرِيكِ: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ. ج. ز
[5]. قِيلَ نَزَلَتِ السُّورَةُ لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ ص عَلِيّاً ع إِلَى ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَوْقَعَ بِهِمْ، وَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَ عَلَيْهِمْ مِرَاراً غَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَ وَ سُمِّيَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ ذَاتَ السَّلَاسِلِ لِأَنَّهُ أَسَرَ مِنْهُمْ وَ قَتَلَ وَ سَبَى وَ شَدَّ أَسْرَاهُمْ فِي الْحِبَالِ مُكَتَّفِينَ كَأَنَّهُمْ فِي السَّلَاسِلِ، وَ لَمَّا نَزَلَتِ السُّورَةُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمُ الْغَدَاةَ وَ قَرَأَ فِيهَا وَ الْعَادِيَاتِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُهُ هَذِهِ سُورَةٌ لَمْ نَعْرِفْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: نَعَمْ! إِنَّ عَلِيّاً ظَفِرَ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ وَ بَشَّرَنِي بِذَلِكَ جَبْرَائِيلُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ( مَجْمَعَ الْبَيَانِ) وَ يَرِدُ عَلَيْهِ وَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُمِّيُّ( ره) أَنَّ الْغَزْوَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَ السُّورَةُ عَلَى مَا بُيِّنَ مَكِّيَّةٌ قُلْنَا: نَقَلَ الشَّيْخُ فِي التِّبْيَانِ عَنِ الضَّحَّاكِ كَوْنَ هَذِهِ السُّورَةِ مَدَنِيَّةً، وَ يُؤَيِّدُهُ مَا مَضَى فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ قَالَ أَصْحَابُهُ هَذِهِ سُورَةٌ لَمْ نَعْرِفْهَا. ج. زثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً أَيْ عَدَوْا عَلَيْهِمْ فِي الضَّبْحِ، ضَبَاحُ الْكَلَابُ صَوْتُهَا فَالْمُورِياتِ قَدْحاً كَانَتْ بِلَادُهُمْ فِيهَا حِجَارَةً- فَإِذَا وَطِئْتْهَا سَنَابِكُ الْخَيْلِ كَانَ تَنْقَدِحُ مِنْهَا النَّارُ فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً أَيْ صَبَّحَتْهُمْ بِالْغَارَةِ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً قَالَ ثَوْرَةُ الْغَبَرَةِ مِنْ رَكْضِ الْخَيْلِ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قَالَ تَوَسُّطَ الْمُشْرِكِينَ بِجَمْعِهِمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أَيْ كَفُورٌ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق