الخميس، 27 يونيو 2024

مناظرة الامام موسى بن جعفر عليه السلام مع هارون الرشيد

 مناظرة الامام موسى بن جعفر عليه السلام مع هارون الرشيد

الفضل بن الربيع ورجل آخر قالا : حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ، ومنعت العامة من ذلك ، لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك إذا ابتدر أعرابي البيت ، وجعل يطوف معه.

فقال الحاجب : تنح ياهذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الاعرابي وقال : إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال « سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» (1) فأمر الحاجب بالكف عنه ، فكلما طاف الرشيد طاف الاعرابي أمامه ، فنهض إلى الحجر الاسود ليقبله فسبقه الاعرابي إليه والتثمه ، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الاعرابي أمامه.
(1) سورة الحج الاية : 25.

فلما فرغ هارون من صلاته ، استدعى الاعرابي فقال الحجاب : أجب أمير المؤمنين فقال : مالي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال : صدق فمشى إليه وسلم عليه فرد عليه‌ السلام فقال هارون : أجلس يا أعرابي؟ فقال :

ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنما هو بيت الله نصبه لعباده ، فان أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف.
فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟ قال : نعم وفي مستمع قال : فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال : سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت؟ قال : بل سؤال متعلم قال : اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول.

قوله عليه‌ السلام : وفي مستمع أي علم يجب أن يستمع إليه.

فقال هارون : أخبرني مافرضك؟ قال : إن الفرض رحمك الله واحد وخمسة وسبعة عشر ، وأربع وثلاثون ، وأربع وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مأتين خمس ، ومن الدهر كله واحد ، وواحد بواحد.

قال : فضحك الرشيد وقال : ويحك أسألك عن فرضك ، وأنت تعد علي الحساب!؟ قال : أما علمت أن الدين كله حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا ، ثم قرأ «وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ » (2) قال : فبين لي ماقلت؟ وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة.
(2) سورة الانبياء الاية : 47.

فقال الحاجب : تهبه لله ولهذا المقام قال : فضحك الاعرابي من قوله ، فقال الرشيد : مما ضحكت يا أعرابي؟ قال : تعجبا منكما ، إذ لا أدري من الاجهل منكما ، الذي يستوهب أجلا قد حضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر.

فقال الرشيد : فسر ما قلت؟ قال : أما قولي الفرض واحد : فدين الاسلام كله واحد ، وعليه خمس صلوات ، وهي سبع عشر ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة ، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة ، وأما قولي من اثني عشر واحد : فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا ، وأما قولي : من الاربعين واحد فمن ملك أربعين دينار أوجب الله عليه دينارا ، وأما قولي : من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم.

وأما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام ، وأما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه قال الله تعالى : «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ  » (3) فقال الرشيد : لله درك ، وأعطاه بدرة فقال : فبم استوجبت منك هذه البدرة ياهارون بالكلام؟ أو بالمسألة؟ قال : بالكلام قال : فإني سائلك عن مسألة فان أتيت بها
(3) سورة المائدة الاية : 45.

كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة اخرى لاتصدق بها على فقراء الحي من قومي ، فأمر بإيراد اخرى وقال : سل عما بدا لك.

فقال : أخبرني عن الخنفسآء تزق؟ أم ترضع ولدها؟ فحرد (4) هارون و قال : ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟! فقال : سمعت ممن سمع من رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الامة يجب أن لاتسأل عن شئ من أمر دينك ، ومن الفرايض ، إلا أجبت عنها ، فهل عندك له الجواب؟.
(4) فحرد هارون : أى فغضب.

قال هارون : رحمك الله لا فبين لي ما قلته ، وخذ البدرتين فقال : إن الله تعالى لما خلق الارض خلق دبابات الارض الذي من غير فرث ، ولا دم ، خلقها من التراب ، وجعل رزقها وعيشها منه ، فاذا فارق الجنين امه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب.

فقال هارون : والله ما ابتلى أحد بمثل هذه المسألة ، وأخذ الاعرابي البدرتين وخرج ، فتبعه بعض الناس ، وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد عليهما‌ السلام فاخبر هارون بذلك فقال : والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة . 
المناقب ج 3 ص 427.

قوله عليه‌ السلام : وفي مستمع أي علم يجب أن يستمع إليه.


زيارة الموقع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دعاءاليوم الخامس والعشرون من الشهرمن كتاب ( العدد القوية لدفع المخاوف اليومية)

(اليوم الْخَامِس والعشرون) 1 - قَالَ مَوْلَانَا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِق (عليهما السلام) : أَنَّهُ يَوْمُ مَذْمُومٌ نَحْس ...