شهادة الامام علي الهادي " عليه السلام
وروي أن المتوكل وقيل الواثق أمر العسكر في تسعين ألف فارس من الاتراك الساكنين بسر من رأى أن يملا كل واحد منهم مخلاة فرسه من الطين الاحمر، ويجعلون بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك، فلما فعلوا ذلك صار كالجبل العظيم فصعد فوقه واستدعى علي الهادي (عليه السلام ) وقال له: ما استحضرتك إلا لترى نضارة خيولي وعسكري، وقد أمرهم أن يلبسوا التخافيف ويكملوا الاسلحة ويعرضوا عليه بأتم عدة وأعظم هيبة، وكان غرضه كسر قلب كل من يخرج عليه من أهل البيت ((عليهم السلام )) وغيرهم، فقال له علي الهادي (عليه السلام ): أتريد أن أعرض عليك عسكري كما عرضت علي عسكرك ؟ قال: نعم، فدعا الله تعالى فإذا من السماء إلى الارض ما بين المشرق والمغرب ملائكة على نجب من الجنة، بأيديهم الحراب تلتهب فغشي على المتوكل فقال له علي الهادي (عليه السلام ) لما أفاق: نحن لا ننافسكم على هذه الدنيا ونحن مشغولون عنكم بأمور الآخرة، فلا يدخلك مني مما تظن بأس.
وروي عن أحمد بن داوود بن محمد بن عبد الله الطلحي قال: حملنا مالا من خمس ونذر من عين وورق ودنانير وحلي وجواهر وثياب من قم وما يليها فخرجنا نريد أبا الحسن (عليه السلام )، فلما صرنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجل راكب على جمل ونحن في قافلة عظيمة فقصدنا ونحن سائرون في جملة الناس وهو يعارضنا بحمله، فقال: يا أحمد بن داوود ومحمد بن إسحاق معي رسالة إليكما فقلنا: ممن ؟ فقال: من سيدكما أبي الحسن الهادي (عليه السلام ) يقول لكما: إني راحل إلى الله تعالى في هذه الليلة فأقيما مكانكما حتى يأتيكما أمر من أبي محمد الحسن(عليه السلام )، فخضشعت قلوبنا وبكت عيوننا وأخفينا ذلك ولم نظهره، ونزلنا دسكرة الملك واستأجرنا منزلا وأحرزنا ما كان معنا فيه، وأصبحنا والخبرشائع في الدسكرة بوفاة إمامنا (عليه السلام ) لا إله إلا الله أترى أن الرسول الذي جاء برسالته أشاع الخبر في الناس ؟ فلما تعالى النهار رأينا قوما من شيعة علي أشد قلقا مما نحن فيه، وأخفينا أمر الرسالة ولم نظهره، فلما جن الليل جلسنا بلا ضوء ولا سراج حزنا على الهادي (عليه السلام ) نبكي ونشكو إلى الله تعالى فقده، وإذا نحن بيد داخلة علينا من الباب فأضاءت بنا كما يضئ المصباح وقائلا يقول: يا أحمد يا محمد هذا التوقيع، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسن المستكين لرب العالمين إلى شيعته المساكين أما بعد، فالحمد لله على ما نزل بنا منه ونشكره إليكم على جميل الصبر إليه، وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم ونعم الوكيل.
قال الراوي ولما انتقل الامام علي الهادي (عليه السلام ) إلى روح الله ورضوانه وقد سمه المعتمد في رمان وقيل في ماء، فلما فاضت روحه المقدسة علا الصياح في داره، وقامت الواعية في الهاشميين والعلويين والطالبيين يلطمون الخدود ويخدشون الوجوه، وينادون واضيعتاه، واوحدتاه، من لليتامى والمساكين، ومن للفقراء والمنقطعين، ثم غسله ابنه الحسن العسكري (عليه السلام ) وحنطه وأدرجه في أكفانه وصلى عليه، وخرج في جنازته حافي الاقدام، وقد شق قميصه حزنا على مصاب أبيه، فكتب إليه الابرش في ذلك وأعاب عليه في شقه قميصه فقال (عليه السلام ): يا أحمق ما أنت وذاك وقد شق موسى(عليه السلام ) قميصه على أخيه هارون (عليه السلام ). وكانت وفاته على ما رواه إبراهيم بن هاشم القمي قال:
توفي أبو الحسن (عليه السلام ) يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة 254 أربع وخمسين ومائتين، وتوفي (عليه السلام ) وله يومئذ إحدى وأربعين سنة ومثله ما رواه ابن عياش، وكانت مدة إقامته بسر من رأى ودفن في داره بها في آخر ملك المعتمد، وقد استشهد (عليه السلام ) على يده مسموما.
وفي رواية ابن بابويه في أدعية شهر رمضان أنه سمه المعتمد، وفي بعضها أنه المتوكل، وكانت مدة إمامته (عليه السلام ) بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق، ثم ملك المتوكل، ثم ملك المنتصر، ثم ملك المستعين، ثم ملك المعتز، ثم ملك المعتمد أخ المتوكل ثمان سنين وستة أشهر، وفي آخر ملكه استشهد ولي الله الهادي (عليه السلام ).
وهكذا في رواية المناقب ودفن في داره بسر من رأى وكان مقامه (عليه السلام ) بها إلى أن توفي عشرين سنة، وأشهر الاخبار بيوم وفاته (عليه السلام ) مختلفة جدا وما ذكرناه أشهرها رواية.
فيالله لهدم مباني هذا الدين، ويا ضيعة الفقراء والمساكين، فيجب على النفوس أن تموت أسفا إلى يوم الدين وأن تنثر درر المدامع في الخدود، وتدير كاسات الاحزان على الحاضرين من المؤمنين، كيف لا وهم ركن الحق المبين والقطب الذي دارت عليه رحاء الاسلام بحسن الادارة والتمكين.
شعر للمؤلف رحمه الله تعالى:
[ فيا قلبي المضنا أدم في صبابة * إلى أن تقوم الناس في الحشر والنشر ]
[ فإن عليا خير من وطأ الثرى * وصي رسول الله في العلم والسر ]
[ قضى وهو مسموما فوالهفتي له * ويا طول حزني ما بقيت من الدهر ]
[ لقد أصبح الدين الحنيفي ثاويا * على الارض ملحودا وقد ضم في القبر ]
[ على الدار من بعد الوصي عليها * سلام مدى الايام في منتهى العمر ]
[ أيقتل مسموما على غير جرمة * وتهتك أستار الشرائع والامر ]
وهذا آخر ما انتهى إلينا من وفاة سيدنا ومولانا علي بن محمد الهادي (عليه السلام ) على التمام والكمال، ونستغفر الله العظيم المنان عن الزيادة والنقصان والسهو والغلط والنسيان إنه غفور منان، وصلى الله على محمد وآله سادات الزمان والحمد لله رب العالمين.
وفيات الأئمة المؤلف : من علماء البحرين والقطيف الجزء : 1 صفحة :385 - 387.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق