(وصايا الباقر عليه السلام)
[1] ومن كلام الباقر عليه السلام لجابر أيضا خرج يوما وهو يقول: أصبحت والله يا جابر محزونا مشغول القلب، فقلت: جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك كل هذا علي الدنيا؟ فقال عليه السلام: لا يا جابر ولكن حزن هم الآخرة، يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة الايمان شغل عما في الدنيا من زينتها، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان. يا جابر إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا. واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة، وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون، أهل العلم والفقه، وأهل فكرة واعتبار واختبار، لا يملون من ذكر الله.واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل من الدنيا فمؤونتهم يسيرة، إن نسيت الخير ذكروك، وإن عملت به أعانوك. أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم وقدموا طاعة ربهم أمامهم، ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم، وتولوهم واتبعوهم.
فأنزل نفسك من الدنيا كمثل منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ثم انتبهت [2] من رقدتك وليس في يدك شئ، وإني إنما ضربت لك مثلا [3] لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له. فاحفظ يا جابر ما استودعك [4] من دين الله وحكمته: وانصح لنفسك، وانظر ما الله عندك في حياتك، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك، وانظر فإن تكن الدنيا عندك على [غير] ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم [5]، فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله، فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به، ولرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به.
[1] التحف ص 286 ورواه الكليني في الكافي ج 2 ص 133 عن أبي عبد الله المؤمن عن جابر " قال: دخلت على أبى جعفر عليه السلام فقال: يا جابر والله انى لمحزون و انى لمشغول القلب... الخ " ورواه علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة أيضا مع اختلاف.
[2] في بعض النسخ " استنبهت " وفى الكافي والكشف " استيقظت ".
[3] في الكافي " هذا مثلا ".
[4] في بعض النسخ " ما استودعتك " وفى الكافي والكشف " ما استرعاك ".
[5] قال الفيض رحمه الله: أي ان تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعنى أن تكون في الدنيا ببدنك وفى الآخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا بك حتى يأتيك الموت. وليست في - بعض النسخ لفظة " غير " وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في معناه. والاستعتاب الاسترضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق