الجمعة، 14 سبتمبر 2018

الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة


الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة
 المفيد:
ولما دخل الحسين (عليه السلام) مكة، كان دخوله إياها ليلة الجمعة، لثلاث مضين من شعبان، دخلها وهو يقرأ: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ (1)
 ثم نزلها فأقبل أهلها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين أهل الآفاق، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة، وهو قائم يصلي عندها ويطوف ويأتي الحسين (عليه السلام) فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين، ويأتيه بين كل يومين مرة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير وقد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين (عليه السلام) في البلد، وأن الحسين (عليه السلام) أطوع في الناس منه وأجل.
(1)القصص: 28 / 22.
 الإرشاد: 202.

وأقام الحسين (عليه السلام) بمكة باقي شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة، قال:
وبمكة يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فأقبلا جميعا حتى دخلا على الحسين (عليه السلام)، وقد عزما على أن ينصرفا إلى المدينة، فقال له ابن عمر: أبا عبد الله! رحمك الله، اتق الله الذي إليه معادك! فقد عرفت من عداوة أهل هذا البيت لكم، وظلمهم إياكم، وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية، ولست آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء والبيضاء فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير، فإني قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: حسين مقتول، ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم الله إلى يوم القيامة، وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس، واصبر كما صبرت لمعاوية من قبل، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين.
فقال له الحسين (عليه السلام): أبا عبد الرحمن! أنا أبايع يزيد وأدخل في صلحه، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) فيه وفي أبيه ما قال؟!
فقال ابن عباس: صدقت أبا عبد الله! قال النبى (صلى الله عليه وآله) في حياته: ما لي وليزيد لا بارك الله في يزيد! وإنه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين (عليه السلام). والذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم! ثم بكى ابن عباس، وبكى معه الحسين، (عليه السلام) وقال: يا ابن عباس! تعلم أني ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فقال ابن عباس: أللهم نعم، نعلم ونعرف أن ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيرك، وإن نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصلاة والزكاة التي لا يقدر أن يقبل أحدهما دون الأخرى.
قال الحسين (عليه السلام): يا ابن عباس! فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من داره وقراره ومولده، وحرم رسوله، ومجاورة قبره، ومولده، ومسجده، وموضع مهاجره، فتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار، ولا يأوي في موطن، يريدون في ذلك قتله وسفك دمه، وهو لم يشرك بالله شيئا، ولا اتخذ من دونه وليا، ولم يتغير عما كان عليه رسول الله
فقال ابن عباس: ما أقول فيهم إلا ﴿ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى﴾ (1)، ﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا  مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا﴾ (2)، وعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى، وأما أنت يا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فإنك رأس الفخار برسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن نظيرة البتول، فلا تظن يا ابن بنت رسول الله! أن الله غافل عما يعمل الظالمون، وأنا أشهد أن من رغب عن مجاورتك وطمع في محاربتك ومحاربة نبيك محمد (صلى الله عليه وآله) فما له من خلاق.
فقال الحسين (عليه السلام): اللهم اشهد!
فقال ابن عباس: جعلت فداك يا ابن بنت رسول الله! كأنك تريدني إلى نفسك؟
وتريد مني أن أنصرك؟ والله [الذي]، لا إله إلا هو! إن لو ضربت بين يديك بسيفي هذا حتى انخلع جميعا من كفي، لما كنت ممن أوفي من حقك عشر العشر! وها أنا بين يديك مرني بأمرك.
فقال ابن عمر: مهلا، ذرنا من هذا يا ابن عباس!
ثم أقبل ابن عمر على الحسين (عليه السلام) فقال: أبا عبد الله! مهلا عما قد عزمت عليه، وارجع من هنا إلى المدينة، وادخل في صلح القوم، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاق لهم على نفسك حجة وسبيلا، وإن أحببت أن لا تبايع فأنت متروك حتى ترى برأيك، فإن يزيد بن معاوية - لعنه الله - عسى أن لا يعيش إلا قليلا، فيكفيك الله أمره.
فقال الحسين (عليه السلام): أف لهذا الكلام أبدا ما دامت السماوات والأرض!
أسألك بالله يا عبد الله! أنا عندك على خطأ من أمري هذا؟ فإن كنت عندك على خطأ فردني فإني أخضع وأسمع وأطيع.
فقال ابن عمر: أللهم لا! ولم يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسوله على خطأ، وليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول (صلى الله عليه وآله) على مثل يزيد بن معاوية - لعنه الله - باسم الخلافة، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف، وترى من هذه الأمة ما لا تحب، فارجع معنا إلى المدينة، وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبدا، واقعد في منزل.

فقال الحسين (عليه السلام): هيهات يا ابن عمر! إن القوم لا يتركوني وإن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتى أبايع وأنا كاره، أو يقتلوني، أما تعلم يا عبد الله! أن من هوان هذه الدنيا على الله تعالى أنه أتى برأس يحيي بن زكريا (عليه السلام) إلى بغية من بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجة عليهم؟! أما تعلم أبا عبد الرحمن! أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلهم كأنهم لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم، ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؛ اتق الله أبا عبد الرحمن! ولا تدعن نصرتي واذكرني في صلاتك، فوالذي بعث جدي محمدا (صلى الله عليه وآله) بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني كنصرته جدي، وأقام من دوني قيامه بين يدي جدي، يا ابن عمر! فإن كان الخروج معي مما يصعب عليك ويثقل فأنت في أوسع العذر، ولكن لا تتركن لي الدعاء في دبر كل صلاة، واجلس عن القوم، ولا تعجل بالبيعة لهم حتى تعلم إلى ما تؤول الأمور.
قال: ثم أقبل الحسين (عليه السلام) على عبد الله بن عباس؛ فقال: يا ابن عباس! إنك ابن عم والدي، ولم تزل تأمر بالخير منذ عرفتك، وكنت مع والدي تشير عليه بما فيه الرشاد، وقد كان يستنصحك ويستشيرك فتشير عليه بالصواب، فامض إلى المدينة في حفظ الله وكلائه، ولا يخفى علي شىء من أخبارك، فإني مستوطن هذا الحرم، ومقيم فيه أبدا ما رأيت أهله يحبوني، وينصروني، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم، واستعصمت بالكلمة التي قالها ابراهيم الخليل (عليه السلام) يوم ألقي في النار (حسبي الله ونعم الوكيل) فكانت النار عليه بردا وسلاما.
قال: فبكى ابن عباس وابن عمر في ذلك الوقت بكاء شديدا، والحسين (عليه السلام) يبكي معهما ساعة، ثم ودعهما وصار ابن عمر وابن عباس إلى المدينة، وأقام الحسين (عليه السلام) بمكة قد لزم الصوم والصلاة.
(1) التوبة: 9 / 54.
(2) النساء: 4 / 142 و 143.
مقتل الخوارزمي 1: 190-192.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

استحباب الدعاء بين الأَذان الإِقامة بالمأثور وغيره

  اسْتِحْبَاب الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذان الإِقامة بِالْمَأْثُور وَغَيْرِه    1  - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْن يَقْظَان [ 1 ] ، رَفْعِه  إلَي...