عن ابن عباس قال : لما مرض رسول الله صلىاللهعليهوآله وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر فقال له فداك أبي وامي يا رسول الله من يغسلك منا اذا كان ذالك منك قال ذاك علي بن ابي طالب لانه لايهم بعض من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك ، فقال له : فداك أبي وامي يا رسول الله فمن يصلي عليك منا إذا كان ذلك منك؟ قال : مه رحمك الله ، ثم قال لعلي : يا ابن أبي طالب إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني ، وانق غسلي وكفني في طمري هاذين ، أو في بياض مصر ، وبرديمان ، ولا تغال في كفني ، واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه ، ثم جبرئيل وميكائيل و إسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عزوجل ، ثم الحافون بالعرش ، ثم سكان أهل السماء فسماء ، ثم جل أهل بيتي ونسائي الاقربون فالاقربون ، يؤمون إيماء ، ويسلمون تسليما ، لا يؤذوني( لا تؤذونى) بصوت نادية( نائحة) ولامرنة ثم قال : يا بلال هلم علي بالناس ، فاجتمع الناس فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله متعصبا
بعمامته متوكيا على قوسه حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : معاشر أصحابي أي نبي كنت لكم؟ ألم اجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر رباعيتي؟ ألم يعفر جبيني؟ ألم تسل الدماء على حر وجهي حتى كنفت(لثقت) لحيتي؟ ألم اكابد الشدة والجهد مع جهال قومي؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، لقد كنت لله صابرا ، وعن منكر بلاء الله ناهيا ، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء قال : وأنتم فجزاكم الله ، ثم قال : إن ربي عزوجل حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم فناشدتكم بالله أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فليقتص منه ، فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والانبياء ، فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له : سوادة بن قيس فقال له : فداك أبي وامي يا رسول الله إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء ، وبيدك القضيب الممشوق ، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني ، فلا أدري عمدا أو خطأ ، فقال : معاذ الله أن أكون تعمدت ثم قال : يا بلال قم إلى منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق ، فخرج بلال وهو ينادي في سكك المدينة : معاشر الناس من ذا الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة فهذا محمد يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة وطرق بلال الباب على فاطمة عليهاالسلام وهو يقول : يا فاطمة قومي! فوالدك يريد القضيب الممشوق ، فأقبلت فاطمة عليهاالسلام وهي تقول : يا بلال وما يصنع والدي بالقضيب ، وليس هذا يوم القضيب؟ فقال بلال : يا فاطمة أما علمت أن والدك قد صعد المنبر وهو يودع أهل الدين والدنيا ، فصاحت فاطمة عليهاالسلام وقالت : واغماه لغمك يا أبتاه ، من للفقراء والمساكين وابن السبيل يا حبيب الله ، وحبيب القلوب؟ ثم ناولت بلالا القضيب ، فخرج حتى ناوله رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : أين الشيخ؟ فقال الشيخ : ها أنا ذا يا رسول الله بأبي أنت وامي فقال : تعال فاقتص مني حتى ترضى ، فقال الشيخ ، فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله ، فكشف صلىاللهعليهوآله عن بطنه ، فقال الشيخ : بأبي أنت وامي يا
رسول الله ، أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك؟ فأذن له ، فقال : أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار يوم النار ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص؟ فقال : بل أعفو يا رسول الله ، فقال صلىاللهعليهوآله : اللهم اعف عن سوادة ابن قيس ، كما عفى عن نبيك محمد ثم قام رسول الله صلىاللهعليهوآله فدخل بيت ام سلمة و هو يقول : رب سلم امة محمد من النار ، ويسر عليهم الحساب ، فقالت ام سلمة : يا رسول الله مالي أراك معموما متغير اللون؟ فقال : نعيت إلى نفسي هذه الساعة فسلام لك في الدنيا ، فلا تسمعين بعد هذا اليوم صوت محمد أبدا ، فقالت ام سلمة : واحزناه ، حزنا لا تدركه الندامة عليك يا محمداه ، ثم قال عليهالسلام : ادع لي حبيبة قلبي وقرة عيني فاطمة ، تجيئ( ثم اغمى عليه) ، فجاءت فاطمة عليهاالسلام وهي تقول : نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء يا أبتاه ، ألا تكلمني كلمة؟ فإني أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا ، وارى عساكر الموت تغشاك شديدا ، فقال لها : يا بنية إني مفارقك ، فسلام عليك مني ، قالت : يا أبتاه فأين الملتقى يوم القيامة؟ قال : عند الحساب ، قالت : فإن لم ألقك عند الحساب؟ قال : عند الشفاعة لامتي ، قالت : فإن لم ألقك عند الشفاعة لامتك؟ قال : عند الصراط ، جبرئيل عن يميني ، وميكائيل عن يساري ، والملائكة من خلفي وقدامي ، ينادون : رب سلم امة محمد من النار ، و يسر عليهم الحساب ، قالت فاطمة عليهاالسلام : فأين والدتي خديجة؟ قال : في قصر له اربعة أبواب إلى الجنة ، ثم اغمي على رسول الله صلىاللهعليهوآله فدخل بلال وهو يقول : الصلاة رحمك الله ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله وصلى بالناس و خفف الصلاة ،ثم قال : ادعوا لي علي بن أبي طالب واسامة بن زيد(٢) ، فجاءا فوضع عليهالسلام يده على عاتق علي ، والاخرى على اسامة ، ثم قال : انطلقا بي إلى فاطمة ، فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها ، فإذا الحسن والحسين عليهاالسلام يبكيان ويصطرخان وهما يقولان : أنفسنا لنفسك الفداء ، ووجوهنا لوجهك الوقاء ، فقال
(٢) لا يخلو من وهم ، لان اسامة كان قد خرج عن المدينة وعسكر في خارجه للقتال.
رسول الله صلىاللهعليهوآله : من هذان يا علي؟ قال : هذا ابناك : الحسن والحسين ، فعانقهما وقبلهما ، وكان الحسن عليهالسلام أشد بكاء ، فقال له : كف يا حسن فقد شققت على رسول الله ، فنزل ملك الموت عليهالسلام وقال : السلام عليك يا رسول الله ، قال : وعليك السلام يا ملك الموت ، لي إليك حاجة ، قال : وما حاجتك يا نبي الله؟ قال : حاجتي أن لا تقبض روحي حتى يجيئني جبرئيل فيسلم علي واسلم عليه ، فخرج ملك الموت وهو يقول : يا محمداه ، فاستقبله جبرئيل في الهواء فقال : يا ملك الموت قبضت روح محمد؟ قال : لا يا جبرئيل ، سألني أن لا أقبضه حتى يلقاك فتسلم عليه ويسلم عليك ، فقال جبرئيل : يا ملك الموت أما ترى أبواب السماء مفتحة لروح محمد؟ أما ترى الحور العين قد تزين لروح محمد؟ ثم نزل جبرئيل عليهالسلام فقال : السلام عليك يا أبا القاسم ، فقال : وعليك السلام يا جبرئيل ، ادن مني حبيبي جبرئيل ، فدنا منه ، فنزل ملك الموت ، فقال له جبرئيل : يا ملك الموت احفظ وصية الله في روح محمد ، وكان جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملك الموت ، آخذ بروحه صلىاللهعليهوآله ، فلما(كلما) كشف الثوب عن وجه رسول الله نظر( ينظر ) إلى جبرئيل فقال له : عند الشدائد تخذلني؟ فقال : يا محمد إنك ميت وإنهم ميتون ، كل نفس ذائقة الموت.
فروي عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوآله في ذلك المرض كان يقول : ادعوا لي حبيبي ، فجعل يدعى له رجل بعد رجل ، فيعرض عنه ، فقيل لفاطمة ، امضي إلى علي فما نرى رسول الله يريد غير علي فبعثت فاطمة إلى علي عليهالسلام فلما دخل فتح رسول الله صلىاللهعليهوآله عينيه وتهلل وجهه ثم قال : إلي يا علي إلي يا علي فما زال يدنيه حتى أخذه بيده وأجلسه عند رأسه ، ثم اغمي عليه ، فجاء الحسن والحسين عليهاالسلام يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) فأراد علي عليهالسلام أن ينحيهما عنه ، فأفاق رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم قال : يا علي دعني أشمهما ويشماني ، وأتزود منهما ، ويتزودان مني ، أما إنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما ، فلعنة الله على
من يظلمهما ، يقول ذلك ثلاثا ، ثم مد يده إلى علي عليهالسلام فجذبه إليه حتى أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه ، ووضع فاه على فيه ، وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة ، صلوات الله عليه وآله ، فانسل علي من تحت ثيابه وقال : أعظم الله اجوركم في نبيكم ، فقد قبضه الله إليه ، فارتفعت الاصوات بالضجة والبكاء فقيل لامير المؤمنين عليهالسلام : ما الذي ناجاك به رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين أدخلك تحت ثيابه؟ فقال : علمني ألف باب ، يفتح لي كل باب ألف باب.
امالى الصدوق : 376 ـ 379
بحار الانوار: ج 22 ص 507-511.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق