السبت، 13 أغسطس 2022

خطبة زينب عليها السلام في أهل الكوفة

 خُطبَةُ زَينَبَ عليها السلام في أهلِ الكوفَةِ

الأمالي للمفيد :
1- عن حذلم بن ستير : رَأَيتُ زَينَبَ بِنتَ عَلِيٍّ عليها السلام ولَم أرَ خَفِرَةً[1] قَطُّ أنطَقَ مِنها ، كَأَنَّها تُفرِغُ عَن لِسانِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام . قالَ : وقَد أومَأَت إلَى النّاسِ أنِ اسكُتوا ، فَارتَدَّتِ الأَنفاسُ ، وسَكَتَتِ الأَصواتُ ، فَقالَت : الحَمدُ للَّهِ‌ِ وَالصَّلاةُ عَلى‌ أبي رَسولِ اللَّهِ ، أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ، ويا أهلَ الخَتلِ‌[2] وَالخَذلِ ، فَلا رَقَأَتِ‌[3] العَبرَةُ ، ولا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ ، فَما مَثَلُكُم إلّا «كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ »[4] . ألا وهَل فيكُم إلَّا الصَّلَفُ‌[5] النَّطَفُ‌[6] ، وَالصَّدَرُ الشَّنَفُ‌[7] ، خَوّارونَ فِي اللِّقاءِ ، عاجِزونَ عَنِ الأَعداءِ ، ناكِثونَ لِلبَيعَةِ ، مُضَيِّعونَ لِلذِّمَّةِ ، فَبِئسَ ما قَدَّمَت لَكُم أنفُسُكُم أن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيكُم ، وفِي العَذابِ أنتُم خالِدونَ .
 أتبكونَ ! إي وَاللَّهِ فَابكوا كَثيراً وَاضحَكوا قَليلاً ، فَلَقَد فُزتُم بِعارِها وشَنارِها[8] ، ولَن تَغسِلوا دَنَسَها عَنكُم أبَداً . فَسَليلَ خاتَمِ الرِّسالَةِ ، وسَيِّدَ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، ومَلاذَ خِيَرَتِكُم ، ومَفزَعَ نازِلَتِكُم ، وأمارَةَ مَحَجَّتِكُم ، ومَدرَجَةَ حُجَّتِكُم خَذَلتُم ، ولَهُ قَتَلتُم ! ألا ساءَ ما تَزِرونَ ، فَتَعساً ونُكساً ، فَلَقَد خابَ السَّعيُ ، وتَرِبَتِ الأَيدي‌[9] ، وخَسِرَتِ الصَّفقَةُ ، وبُؤتُم بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ، وضُرِبَت عَلَيكُمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ . وَيلَكُم، أتَدرونَ أيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ فَرَيتُم‌[10] ؟ وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أصَبتُم ؟ «لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً »[11] ، ولَقَد أتَيتُم بِها خَرقاءَ[12] شَوهاءَ ، طِلاعَ‌[13] الأَرضِ وَالسَّماءِ . أفَعَجِبتُم أن قَطَرَتِ السَّماءُ دَماً ! « وَ لَعَذَابُ الْأَخِرَةِ أَخْزَى‌ » ، فَلا يَستَخِفَّنَّكُمُ المَهَلُ ، فَإِنَّهُ لا يُحَفِّزُهُ‌[14] البِدار[15] ، ولا يُخافُ عَلَيهِ فَوتُ الثّأرِ ، كَلّا «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» .[16] قالَ : ثُمَّ سَكَتَت ، فَرَأَيتُ النّاسَ حَيارى‌ ، قَد رَدّوا أيدِيَهُم في أفواهِهِم ، ورَأَيتُ شَيخاً قَد بَكى‌ حَتَّى اخضَلَّت لِحيَتُهُ ، وهُوَ يَقولُ : كُهولُهُم خَيرُ الكُهولِ ونَسلُهُم‌إذا عُدَّ نَسلٌ لا يَخيبُ ولا يَخزى‌. الأمالي للمفيد : ص 321 الرقم 8 .

[1] الخَفَرُ : شِدَّةُ الحياء (الصحاح : ج 2 ص 649 «خفر») .
[2] خَتَلَهُ : خَدَعَهُ وَرَاوَغَهُ (النهاية : ج 2 ص 9 «ختل») .
[3] رقأت الدمعة : جفّت وانقطعت (لسان العرب : ج 1 ص 88 «رقأ») .
[4] النحل 16: 92 .
[5] الصلف : التمدّح بما ليس عندك (تاج العروس : ج 12 ص 327 «صلف») .
[6] النَطَفُ : التَلَطُّخ بالعيب ، وقد نَطِفَ الرجل : إذا اتُّهم بريبة (الصحاح : ج 4 ص 1434 «نطف») .
[7] الشَّنَفُ : البغض والتنكّر (الصحاح : ج 4 ص 1383 «شنف») .
[8] الشَّنَارُ : العيب والعار (الصحاح : ج 2 ص 704 «شنر») .
[9] تَرِبَ : خَسِرَ وافتقر . وتَرِبَت يَداه : لا أصابَ خيراً (القاموس المحيط : ج 1 ص 39 «ترب») .
[10] الفري : القطع (لسان العرب : ج 15 ص 153 «فرا») .
[11] مريم 19: 89 و90 .
[12] خرقاء : أي حمقاء جاهلة (النهاية : ج 2 ص 26 «خرق») .
[13] طلاع الأرض : ملؤها (الصحاح : ج 3 ص 1254 «طلع») .
[14] الحفز : الحثّ والإعجال (النهاية : ج 1 ص 407 «حَفز») .
[15] بَدَرْتُ إلى الشي‌ء : أسرعت إليه (الصحاح : ج 2 ص 586 «بدر») .
[16] الفجر 89: 14 .

بلاغات النساء :
2- عن جعفر بن محمد [الصادق‌] عن آبائه عليهم السلام : لَمّا اُدخِلَ بِالنِّسوَةِ مِن كَربَلاءَ إلَى الكوفَةِ ، كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام ضَئيلاً قَد نَهَكَتهُ العِلَّةُ ، ورَأَيتُ نِساءَ أهلِ الكوفَةِ مُشَقَّقاتِ الجُيوبِ عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَرَفَعَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام رَأسَهُ فَقالَ : ألا إنَّ هؤُلاءِ يَبكينَ ، فَمَن قَتَلَنا ؟ ورَأَيتُ اُمَّ كُلثومٍ عليها السلام ولَم أرَ خَفِرَةً وَاللَّهِ أنطَقَ مِنها ، كَأَنَّما تَنطِقُ وتُفرِغُ عَلى‌ لِسانِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وقَد أومَأَت إلَى النّاسِ أنِ اسكُتوا . فَلَمّا سَكَنَتِ الأَنفاسُ ، وهَدَأَتِ الأَجراسُ ، قالَت : أبدَأُ بِحَمدِ اللَّهِ وَالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى‌ نَبِيِّهِ ، أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَترِ[1] وَالخَذلِ ، ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ، ولا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ ، إنَّما مثَلُكُم كَمَثَلِ «كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ» .[2] ألا وهَل فيكُم إلَّا الصَّلَفُ وَالشَّنَفُ ، ومَلَقُ الإِماءِ ، وغَمَزُ الأَعداءِ ؟ وهَل أنتُم إلّا كَمَرعى‌ عَلى‌ دِمنَةٍ ، وكَفِضَّةٍ عَلى‌ مَلحودَةٍ ، ألا ساءَ ما قَدَّمَت أنفُسُكُم أن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيكُم ، وفِي العَذابِ أنتُم خالِدونَ . أتَبكونَ ؟ إي وَاللَّهِ فَابكوا ! وإنَّكُم وَاللَّهِ أحرِياءُ بِالبُكاءِ ، فَابكوا كَثيراً وَاضحَكوا قَليلاً ، فَلَقَد

فُزتُم بِعارِها وشَنارِها، ولَن تَرحُضوها بِغَسلٍ بَعدَها أبَدا، وأنّى‌ تَرحُضونَ قَتلَ سَليلِ خاتَمِ النُّبُوَّةِ ومَعدِنِ الرِّسالَةِ ، وسَيِّدِ شُبّانِ أهلِ الجَنَّةِ ، ومَنارِ مَحَجَّتِكُم ، ومَدَرَةِ حُجَّتِكُم ، ومَفرَخِ نازِلَتِكُم ، فَتَعساً ونُكساً ، لَقَد خابَ السَّعيُ وخَسِرَتِ الصَّفقَةُ ، وبُؤتُم بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ، وضُرِبَت عَلَيكُمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ «لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَ تُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا » .[3] أتَدرونَ أيَّ كَبِدٍ لِرَسولِ اللَّهِ فَرَيتُم ؟ وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ لَقَد جِئتُم بِها شَوهاءَ خَرقاءَ ، شَرُّها طِلاعُ الأَرضِ وَالسَّماءِ ، أفَعَجِبتُم أن قَطَرَتِ السَّماءُ دَماً ؟ ولَعَذابُ الآخِرَةِ أخزى‌ وهُم لا يُنظَرونَ ، فَلا يَستَخِفَّنَّكُمُ المَهَلُ فَإِنَّهُ لا تَحفِزُهُ المُبادَرَةُ ، ولا يُخافُ عَلَيهِ فَوتُ الثَّأرِ ، كَلّا إنَّ رَبَّكَ لَنا ولَهُم لَبِالمِرصادِ . ثُمَّ وَلَّت عَنهُم . قالَ : فَرَأَيتُ النّاسَ حَيارى‌ وقَد رَدّوا أيدِيَهُم إلى‌ أفواهِهِم ، ورَأَيتُ شَيخاً كَبيراً مِن بَني جُعفِيٍّ ، وقَدِ اخضَلَّت لِحَيتُهُ مِن دُموعِ عَينَيهِ ، وهُوَ يَقولُ : كُهولُهُم خَيرُ الكُهولِ ونَسلُهُم‌إذا عُدَّ نَسلٌ لا يَبورُ ولا يَخزى‌.
بلاغات النساء : ص 37 عن يحيى بن الحجّاج .

[1] الخَتْرُ : الغَدْرُ (الصحاح : ج 2 ص 642 «ختر») .
[2] اقتباس من الآية 92 من سورة النحل .
[3] مريم 19: 89 - 90 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثواب واستحباب تولّي أذان الأعلام

   استحباب تولّي أذان الأعلام ، والمداومة عليه ، ورفع الصوت به ، واكرام المؤذّنين ، وحسن الظنّ بهم  1 -ع ن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جده...