الاثنين، 15 أغسطس 2022

الطريق الذي سلكه حرم الحسين عليه السلام من الكوفة إلى الشام‌

 إيضاح حول مسير سبايا كربلاء من الكوفة إلى الشام ومن الشام حتّى المدينة

بعد نقل سبايا كربلاء إلى الكوفة أبقوهم فيها لفترة قصيرة ، ثمّ أرسلوهم إلى دمشق عاصمة الدولة الاُموية. ولم يعيَّن الطريقُ الذي سلكه هذا الركب في كتب التاريخ والسيرة ، ولذلك فإنّ من المحتمل سلوك أيٍّ من الطرق الممتدّة بين الكوفة ودمشق في ذلك العصر. وقد حاول البعض من خلال تقديم بعض الشواهد أن يصوّر قطعية سلوكهم أحد هذه الطرق ، إلّا أنّ مجموعة القرائن لا توصلنا إلى الاطمئنان الكافي .[1] وفيما يلي نذكر بدايةً الطرقَ المؤدّيةَ إلى الشام ، ثمّ ندرس القرائن المقدّمة . ومن الضروري قبل الخوض في هذا البحث أن نذكر أنّ الطرق بين الكوفة ودمشق كانت ثلاثة طرق رئيسية، إلّا أنّ كلاًّ من هذه الطرق كانت له فروع عديدة قصيرة وطويلة في بعض الطريق، وهو أمر طبيعي .

الطريق الذي سلكه أهل البيت من الكوفة إلى الشام‌

الطريق الأوّل : طريق البادية

يبلغ العرض الجغرافي للكوفة حوالي 32 ، والعرض الجغرافي لدمشق حوالي 33 درجة ، وهذا يعني أنّ الطريق الطبيعي بين هاتين المدينتين يكاد يقع على مدار واحد ولاحاجة إلى الصعود والنزول على الأرض، إلّا في مستوى أقلّ من كسر من الدرجة. وعلى هذا المدار طريق يعرف ب «طريق البادية» هو أقصر الطرق بين هاتين المدينتين ويبلغ حوالي 923 كيلومتراً[3] .

[1] يقول الشيخ عباس القمّي رحمه اللَّه في نفس المهموم: اِعلم إنّ ترتيب المنازل التي نزلوها في كلِّ مرحلة - باتوا بها أم عبروا منها - غير معلوم ولا مذكور في شي‌ءٍ من الكتب المعتبرة، بل ليس في أكثرها سفر أهل بيت الإمام إلى الشام (نفس المهموم : ص 338) .
[3] المسافة بين الكوفة والشام إذا لوحظت بخطّ مستقيم بلغت 867 كيلو متراً .


والمشكلة الرئيسية لهذا الطريق القصير هي مروره بالصحراء الممتدّة بين العراق والشام والمعروفة منذ قديم الأيّام باسم «بادية الشام». ومن الواضح أنّ هذا الطريق لم يكن يسلكه سوى الذين يمتلكون الإمكانيات الكافية - وخاصّة الماء - لاجتياز المسافات الطويلة بين منازل الطريق الصحراوي المتباعدة، رغم أنّ سرعة المسافر كانت تدفعه أحياناً إلى اجتياز هذا الطريق . وممّا يجدر ذكره أن لا وجود للمدن الكبيرة في الصحاري، ولكن هذا لا يعني عدم وجود الطرق، أو بعض القرى الصغيرة .

الطريق الثاني : ضفاف الفرات‌

يعتبر الفرات أحد نهري العراق الكبيرين ، وينبع من تركيا ويصبّ في الخليج الفارسي بعد اجتياز سوريا والعراق. وكان الكوفيّون يسيرون على ضفاف هذا النهر للسفر إلى شمال العراق والشام؛ كي يكون الماء في متناولهم، ولكي يستفيدوا أيضاً من إمكانيات المدن الواقعة على ضفاف الفرات، ولذا كانت الجيوش الجرّارة والقوافل الكبيرة التي هي بحاجة إلى كمّيات كبيرة من المياه مضطرّة لسلوك هذا الطريق‌[1] . ويتّجه هذا الطريق ابتداءً من الكوفة نحو الشمال الغربي بمسافة طويلة ، ثمّ ينحدر من هناك نحو الجنوب وينتهي إلى دمشق بعد اجتيازه الكثير من مدن الشام. وقد كان لهذا الطريق تفرّعات عديدة ، ويبلغ طوله التقريبي حدود (1190 إلى 1333 كيلومتراً) ، وكان بديلاً مناسباً لطريق البادية الشاقّ وإن كان قصيراً ، ويمكن أن نشبّه مجموع هذا الطريق وطريق البادية بمثلّث قاعدته طريق البادية .
[1] سلك عسكر أمير المؤمنين عليه السلام هذا الطريق نفسه أيضاً في معركة صفّين.

الطريق الثالث : ضفاف دجلة

يعدّ دجلة النهر الكبير الثاني في العراق، حيث ينبع هو الآخر من تركيا أيضاً، ولكنّه لا يمرّ بالشام ، فكان الذي يريد السفر إلى شمال شرقي العراق يختار ضفافه للسفر إلى هناك. ولم يكن هذا الطريق هو الطريق الرئيسي بين الكوفة ودمشق ، وإنّما يسيرون مقداراً منه ثمّ ينحرفون تدريجيّاً نحو الغرب والالتحاق بطريق ضفاف الفرات بعد اجتياز مسافة ليست بالقصيرة، ثمّ دخول دمشق من ذلك الطريق. ويمكن اعتبار هذا الطريق ثلاثة أضلاع من مستطيل طوله طريق البادية، والأضلاع الثلاثة الاُخرى هي : المسافة المقطوعة من الكوفة نحو الشمال، الطريق المقطوع باتّجاه الغرب ، ثمّ رجوع قسم من الطريق المقطوع نحو الجنوب ، ولذلك فإنّه أطول من جميع الطرق الاُخرى ، ويبلغ طوله حدود (1545 كيلومتراً)، ويُسمّى هذا الطريق ب«الطريق السلطاني» .

طريق مسير أهل البيت من الشام إلى المدينة

استناداً إلى الخريطة الخاصّة بموسوعة الإمام الحسين عليه السلام، فإنّ المسافة بين دمشق والمدينة تبلغ حدود 1229 كيلومتراً، وتشتمل على 32 منزلاً، ومن المسلّم أنّ قافلة سبايا أهل البيت عليهم السلام قطعت هذه المسافة خلال عودتها من الشام ، وإذا كانوا قد ذهبوا إلى كربلاء أيضاً خلال رجوعهم ، فسيكونون قد اجتازوا مسافة طويلة للغاية . وقد بدأ مسير أهل البيت الملي‌ء بالعناء من المدينة وانتهى بالمدينة. ويبلغ الحدّ الأدنى من الطريق الذي ساره هؤلاء السادة العظام 4100 كيلومتراً على فرض الذهاب من الكوفة إلى دمشق من أقصر الطرق - وهو طريق البادية - وعدم الذهاب مرّةً اُخرى إلى كربلاء عند رجوعهم ، وفقاً للحساب التالي : (من المدينة إلى مكّة) 431 كيلومتراً + (من مكّة حتّى كربلاء) 1447 كيلومتراً + (من كربلاء وحتّى الكوفة) 70 كيلو متراً + (من الكوفة وحتّى دمشق - من طريق البادية) 923 كيلو متراً + (من دمشق وحتّى المدينة) 1229 كيلو متراً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

استحباب تولّي أذان الاعلام ، والمداومة عليه ، ورفع الصوت به

   استحباب تولّي أذان الاعلام ، والمداومة عليه ، ورفع الصوت به ، وإكرام المؤذّنين ، وحسن الظنّ بهم  1 - عن أبي عبد الله عليه‌ السلام قال ...