رسالة جعفر الصادق عليه السلام إلى جماعة شيعته وأصحابه
رسالته عليه السلام إلى جماعة شيعته وأصحابه أما بعد :فسلوا ربكم العافية. وعليكم بالدعة والوقار (1) والسكينة والحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم. وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحملوا الضيم منهم ، وإياكم ومما ظتهم (2) دينوا فيما بينكم وبينهم ـ إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم و نازعتموهم الكلام ، فانه لابد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم ـ بالتقية (3) التي أمركم الله بها ، فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم ويعرفون في وجوهكم المنكر. ولو لا أن الله يدفعهم عنكم لسطوابكم (4) وما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة إن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل ـ أصل الخلق ـ مؤمنا لم يمت حتى يكره إليه الشر ويباعده منه ومن كره الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية فلانت عريكته (5) وحسن خلقه وطلق وجهه ، وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشعه ، وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ، ورزقه الله مودة الناس و مجاملتهم ، وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شئ.
وإن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل ـ أصل الخلق ـ كافرا (6) لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقر به منه ، فاذا حبب إليه الشر وقر به منه ابتلي بالكبر والجبرية ، فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها ، فبعد ما بعد حال المؤمن والكافر ، فسلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أكثروا من الدعاء ، فان الله يحب من عباده الذين يدعونه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة ، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة. وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فان الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين ، إن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير.
وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقومو الله قانتين ، كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم. وعليكم بحب المساكين المسلمين ، فإن من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت (7) وقد قال أبونا رسول الله صلىاللهعليهوآله : «أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم». واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس (8) أشد مقتا ، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين ، فان لهم عليكم حقا أن تحبوهم فان الله أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بحبهم ، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله و رسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات من الغاوين.
إياكم والعظمة والكبر ، فان الكبر رداء الله ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة.
إياكم أن يبغي بعضكم على بعض ، فإنها ليست من خصال الصالحين ، فانه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه. ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله.
إياكم أن يحسد بعضكم بعضا ، فان الكفر أصله الحسد (9).
إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم ، فان أبانا رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة».
إياكم أن تشره نفوسكم (10) إلى شئ مما حرم الله عليكم ، فانه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها و كرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الابدين. التحف ص 313.
بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث: ج 75 ص 293-295.
(1) الدعة : الخفض والطمأنينة.
(2) المجاملة : المعاملة بالجميل. والضيم : الظلم. والمماظة ـ بالمعجمة ـ : شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم.
(3) «بالتقية» متعلق بدينوا وما بينهما معترض.
(4) السطو : القهر. اى وثبوا عليكم وقهروكم ، وفى بعض النسخ «لبطشوا بكم».
(5) العريكة : الطيبعة والخلق والنفس.
(6) ظاهر هذا الكلام هو الجبر الباطل في مذهب أهل البيت عليهمالسلام وسلب الاختيار ومخالف لصريح القرآن قوله تعالى : «فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله» فيجب تأويله أو التوقف ورد علمه إلى أهله.
(7) حقره استصغره وهان قدره وصغر. ومقت فلانا : أبغضه.
(8) المحقرة : الحقارة أى الذلة والهوان.
(10) شره فلان ـ كفرح ـ : غلب حرصه واشتد ميله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق