الشَّيْخُ الْفَاضِلُ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَوْسِيُّ:قَالَ:رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الشُّعَرَاءِ فِي آخِرِهَا آيَةُ الْإِنْذَارِ وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [1]أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،وَ قَالَ:يَا عَلِيُّ،اطْبُخِ وَ لَوْ كُرَاعَ شَاةٍ،وَ لَوْ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ وَ قَعْباً مِنْ لَبَنٍ،وَ اعْمِدْ إِلَى قُرَيْشٍ.
قَالَ:فَدَعَوْتُهُمْ وَ اجْتَمَعُوا أَرْبَعِينَ بَطَلاً بِزِيَادَةٍ،وَ كَانَ فِيهِمْ أَبُو طَالِبٍ وَ حَمْزَةُ وَ الْعَبَّاسُ،فَحَضَّرْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) مَعْمُولاً،فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ،فَضَحِكُوا اسْتِهْزَاءً،فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بِأَرْبَعَةِ جَوَانِبِ الْجَفْنَةِ،فَقَالَ:كُلُوا وَ قُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:يَا مُحَمَّدُ،مَا نَأْكُلُ،وَ أَحَدُنَا يَأْكُلُ الشَّاةَ مَعَ أَرْبَعَةِ أَصْوُعٍ مِنَ الطَّعَامِ!فَقَالَ:كُلْ وَ أَرِنِي أَكْلَكَ.فَأَكَلُوا حَتَّى تَمَلَّؤُوا،وَ أَيْمُ اللَّهِ مَا يُرَى أَثَرُ أَكْلِ أَحَدِهِمْ،وَ لاَ نَقَصَ الزَّادِ،فَصَاحَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):كُلُوا.فَقَالُوا:وَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟فَقَالَ:اِرْفَعْهُ يَا عَلِيُّ.فَرَفَعْتُهُ،فَدَنَا مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،وَ قَالَ:يَا قَوْمِ اعْمَلُوا أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمُ.فَصَاحَ أَبُو لَهَبٍ،وَ قَالَ:قُومُوا إِنَّ مُحَمَّداً سَحَرَكُمْ.
فَقَامُوا وَ مَضَوْا فَاسْتَعْقَبَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،وَ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِمْ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):لاَ يَا عَلِيُّ،ادْنُ مِنِّي.فَتَرَكَهُمْ وَ دَنَا مِنْهُ،فَقَالَ لَهُ:أُمِرْنَا بِالْإِنْذَارِ لاَ بِذَاتِ الْفَقَارِ،لِأَنَّ لَهُ وَقْتاً،وَ لَكِنْ اعْمَلْ لَنَا مِنَ الطَّعَامِ مِثْلَ مَا عَمِلْتَ، وَ ادْعُ لِي مَنْ دَعَيْتَ،فَلَمَّا أَتَى غَدٌ،فَعَلْتُ مَا بِالْأَمْسِ فَعَلْتُ.
فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَ أَكَلُوا كَمَا أَكَلُوا.قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):مَا أَعْلَمُ شَابّاً مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمُهُ بِأَفْضَلِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ.
قِيلَ:فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:قَدْ شَغَلَنَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ،فَلَوْ قَابَلْتُمُوهُ بِرَجُلٍ مِثْلِهِ يَعْرِفُ السِّحْرَ وَ الْكِهَانَةَ،لَكُنَّا اسْتَرَحْنَا.
فَقَطَعَ كَلاَمَهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ،وَ قَالَ:وَ اللَّهِ إِنِّي لَبَصِيرٌ بِمَا ذَكَرْتَهُ.فَقَالَ:لِمَ لاَ تُبَاحِثُهُ؟قَالَ:حَاشَا أَنْ كَانَ بِهِ مَا ذَكَرْتَ،فَقَالَ لَهُ:يَا مُحَمَّدُ،أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ هَاشِمٌ؟أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟أَنْتَ خَيْرُ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ؟أَنْتَ خَيْرُ أَمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،دَامِغُ الْجَبَابِرَةِ،قَاصِمُ أَصْلاَبِ أَكْبَرِهِمْ؟ فَلِمَ تُضِلُّ آبَاءَنَا وَ تَشْتِمُ آلِهَتَنَا،فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الرِّئَاسَةِ عَقَدْنَا لَكَ أَلْوِيَتَهَا،وَ كُنْ رَئِيساً لَنَا مَا بَقِيتَ وَ إِنْ كَانَ بِكَ الْبَاهُ زَوَّجْنَاكَ عَشْرَةَ نِسْوَةٍ مِنْ أَكْبَرِنَا.
وَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا يُغْنِيكَ أَنْتَ وَ عَقِبَكَ مِنْ بَعْدِكَ،فَمَا تَقُولُ؟ فَقَالَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حَم*، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* كِتٰابٌ فُصِّلَتْ آيٰاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا[2]إِلَى آخِرِ الْآيَةِ،فَإِنَّ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَ ثَمُودَ[3] ،فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ عَلَى فِيهِ، وَ رَجَعَ فَنَاشَدَهُ بِاللَّهِ اسْكُتْ،فَسَكَتَ،وَ قَامَ وَ مَضَى،فَقَامَ مَنْ كَانَ حَاضِراً خَلْفَهُ فَلَمْ يَلْحَقُوهُ،فَدَخَلَ وَ لَمْ يَخْرُجْ أَبَداً، فَغَدَوْهُ قُرَيْشٌ،فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:
قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ.فَدَخَلُوا وَ جَلَسُوا.فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:يَا عُتْبَةُ،مُحَمَّدٌ سَحَرَكَ.فَقَامَ قَائِماً عَلَى قَدَمَيْهِ،وَ قَالَ:يَا لُكَعَ الرِّجَالِ،وَ اللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ بِبَيْتِي لَقَتَلْتُكَ شَرَّ قَتْلَةٍ،يَا وَيْلَكَ.
قُلْتَ:مُحَمَّدٌ سَاحِرٌ كَاهِنٌ شَاعِرٌ، سِرْنَا إِلَيْهِ،سَمِعْنَاهُ تَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ مِنْ رَبِّ السَّمَاءِ،فَحَلَّفْتُهُ وَ أَمْسَكَ،وَ قَدْ سَمَّيْتُمُوهُ الصَّادِقَ الْأَمِينَ،هَلْ رَأَيْتُمْ مِنْهُ كَذِبَةً؟وَ لَكِنِّي لَوْ تَرَكْتُهُ يُتَمِّمُ مَا قَرَأَ لَحَلَّ بِكُمُ الْعَذَابُ وَ الذَّهَابُ».البرهان في تفسير القرآن ج : 4 ص: 777- 778.
[1] الشعراء 26: 214.
[2]فصلت 41 : 1- 3.
[3] فصلت 41: 13.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق